"اتق شر الحليم إذا غضب، واتق صبر الحكيم إذا نفذ" وكذلك في عالم الدواء، احذر تقلب الدواء الموضعي إذا غدر!
فلنحذر غدر الدواء الموضعي!
الكثير من الإرشادات الطبية تنصح بإعطاء الأدوية المستخدمة في علاج مرض ما موضعيًا، وذلك يتطلب قدرة الدواء على الوصول إلى المكان المصاب بتركيز مناسب يضمن كفاءته. وهذا يكون مناسبًا في علاج بعض الأمراض التي تصيب العين والأنف والأذن والجلد، وكذلك بعض أمراض الجهاز التنفسي (مثل البخاخات المستخدمة في علاج الربو الشعبي).
و في عالم الأدوية الموضعية، هناك اعتقاد بأنه ما دام الدواء يُعطى موضعيًا للمريض، فإن ذلك يضمن أمانه وخلوه من الأعراض الجانبية. والحقيقة أنه بالفعل، عندما يتم إعطاء الدواء موضعيًا، فإن ذلك يقلل من الكمية التي تصل إلى الدم ومن ثم إلى باقي أجزاء الجسم، وبالتالي تقل الأعراض الجانبية عن تلك التي قد يسببها نفس الدواء إذا تم إعطاؤه عن طريق الفم أو بالحقن (systemic). ولكن لا يجب التغافل أبدًا عن الأعراض الجانبية الموضعية التي قد يسببها الدواء عند إعطائه موضعيًا، وخاصة إذا تم إعطاؤه بجرعات مرتفعة. فالدواء الموضعي يكون حليمًا في أعراضه الجانبية إذا تم مراعاة استخدامه بالجرعات الصحيحة والطريقة الصحيحة، ولكن قد يتقلب ويغدر ويؤدي إلى مشاكل صحية جسيمة إذا لم يتم مراعاة القواعد السليمة في إعطائه! وهذه بعض الأمثلة:
🔶 بخاخات الكورتيزونات الموضعية في الأنف:
تعتبر بخاخات الكورتيزونات الموضعية (مثل النيزوكورت، أفاميس، فليكسونيز) الاختيار الأول (تبعًا للتوصيات الطبية) لعلاج أمراض حساسية الأنف (allergic rhinitis) وذلك لما تتميز به من فعالية في العلاج مع عدم وصول كميات تذكر إلى الدم، مما يضمن قلة أعراضها الجانبية وعدم تسببها في الأعراض الجانبية المعروفة للكورتيزونات (مثل ارتفاع ضغط الدم، ارتفاع سكر الدم، وغيرها). ولكن لا ينبغي أن نتغافل عن أعراضها الجانبية الموضعية على الأنف، والتي قد تحدث نتيجة استخدام كميات كبيرة منها أو عند استخدامها بطريقة غير صحيحة. فمن المعروف أنه يجب إعطاء البخاخات بطريقة صحيحة تتمثل في مسك البخاخة باليد المخالفة لفتحة الأنف (أي عند الوضع في فتحة الأنف اليمنى، فالصحيح هو مسك البخاخة باليد اليسرى والعكس) وذلك حتى يكون اتجاه إعطاء الدواء بعيدًا عن حاجز الأنف (nasal septum) وموجهًا لتلافيف الأنف (nasal turbinates). وهذا يضمن أن الكمية الموضوعة من الكورتيزون لا تلامس مباشرة حاجز الأنف، لأنه إذا تكرر توجيه الكورتيزون لحاجز الأنف، فإن ذلك يؤدي إلى حدوث التأثير السلبي للكورتيزون على الكولاجين الموجود في حاجز الأنف، مما يؤثر عليه ويقلل من كمية الكولاجين وجودته، وبالتالي يضعف حاجز الأنف وقد يؤدي إلى حدوث جفاف وتقشر في حاجز الأنف، وقد ينتهي بحدوث ثقب في الحاجز (perforated nasal septum) يصحبه نزيف من الأنف مع ألم في الأنف. وتزيد مخاطر حدوث هذه المشكلة عندما يكون تناول الكورتيزون الموضعي مصاحبًا لتناول مزيلات احتقان الأنف الموضعية (nasal decongestants) مثل الأوتريفين والأفرين، والتي تزيد من المشكلة نتيجة تسببها في قلة الدم (vasoconstriction) الذي يغذي حاجز الأنف. وهكذا يتحول الدواء الموضعي ذو الأعراض الجانبية الضئيلة إلى دواء متسبب في مشكلة كبيرة في الأنف بسبب سوء استخدامه بجرعات وطريقة غير صحيحة.
🔶 أدوية NSAIDs:
مثالنا الثاني هو أدوية الـ NSAIDs (مضادات الالتهاب وخافضات الحرارة اللاستيرويدية) مثل كيتورولين، بروموفلام، أبيفيناك، والتي يتم استخدامها موضعيًا كقطرات في العين لعلاج بعض حالات الالتهاب التي تصيب العين وبعد بعض عمليات العين مثل عمليات المياه البيضاء (post cataract surgery). هذه الأدوية تعتبر آمنة فيما يخص أعراضها الجانبية على الجسم، حيث إن الكمية التي تُمتص منها عند وضعها في العين وتصل إلى الدم تعتبر ضئيلة للغاية. ولكن إذا تم إعطاء كميات كبيرة من هذه الأدوية، وخاصة في بعض المرضى، قد تتسبب هذه الأدوية فيما يسمى NSAID associated Corneal Melt! وقد تم الإعلان عن إمكانية حدوث مثل هذا العرض الجانبي من هذه الأدوية عند استخدامها موضعيًا في العين عام 1999 بواسطة American Society of Cataract and Refractive Surgery (ASCRS). يبدأ هذا العرض الجانبي الخطير في قرنية العين بآلام في العين مصاحبة بضعف وزغللة في الإبصار، وقد يؤدي إلى حدوث ثقب في القرنية يعقبه فقدان البصر!
🔘 س١- لماذا قد تؤدي مضادات الالتهاب اللاستيرودية إلى مثل هذا العرض الخطير؟
- يحدث هذا نتيجة تسبب هذه الأدوية في ضعف القرنية.
🔘 س٢- من هم المرضى الأكثر تعرضًا لمثل هذا العرض الجانبي؟
1. مستخدمو هذه الأدوية بجرعات كبيرة وبفترات طويلة.
2. الاستخدام المتزامن لقطرات الكورتيزون في العين.
3. مرضى السكر والروماتيزم.
4. وجود عدوى في العين.
5. الإصابة السابقة في العين بهربس.
🔶 الامتصاص الذي يحدث للأدوية الموضعية:
المثال الأخير هو الامتصاص الذي يحدث للأدوية الموضعية إذا تم تناولها بكميات كبيرة ووصولها للدم بكميات قد تؤدي إلى حدوث مشاكل صحية. المثال على ذلك هو مراهم الكورتيزونات إذا تم وضع الأنواع القوية منها (Class I or II مثل بيتاديرم betamethasone dipropionate) على الأماكن ذات الجلد الرقيق (مثل الوجه والثنايا)، حيث قد يؤدي ذلك إلى امتصاص كميات من الكورتيزون كفيلة بالتسبب في مشاكل صحية مثل ارتفاع الضغط وسكر الدم. ذلك بالإضافة لأضرار الإسراف في استخدام الكورتيزون على البشرة والتسبب فيما يعرف بـ topical steroid damaged facies، والذي يحدث فيه تشققات في الجلد مع ضمور واحمرار. والأمن هو استخدام أنواع الكورتيزونات الضعيفة (مثل هيدروكورتيرون) على الأماكن الرقيقة من الجلد.
أيضًا، إذا تم وضع جل الريباريل Reparil gel بكميات كبيرة، قد يؤدي إلى حدوث نزيف في المرضى الذين يتناولون مضادات للتجلط أو حدوث ضيق في الشعب في بعض مرضى الربو الشعبي! يُستخدم هذا الدواء موضعيًا لعلاج بعض حالات الالتهابات والتورم في المفاصل، وذلك لاحتوائه على مادة diethylamine salicylate، أي أنه يحتوي على مادة فعالة مشابهة للأسبرين، ويتم امتصاص هذه المادة إذا تم وضع الريباريل بكميات كبيرة.