استطاعت السينما أن تصنع من سداسية الكورال الإبداعي الذي ضم ” العمارة والموسيقى والنحت والشعر والرقص والفن” حلماً جميلاً ” وأن تعقد توليفًا رائعًا مع إيقاعات المكان وإيقاعات الزمان هكذا قدم لنا الناقد الإيطالي ريتشيوتو كانودو الفن السابع..
نعم، لقد باعتنا السينما خُدعاً لذيذة، وخلقت في مخيلتنا وهماً نألفه ويألفنا.. فكانت عدسة الكاميرا موجهة إلى عين المشاهد أولاً ..ترصد مخاوفه ودهشاته وتوقعاته لتدخل لعبة التأثير المركب والمؤلف من صور وموسيقى وإضاءة وحوار.. وامرأة
“لا أعتقد أنه يجب عليك الشعور تجاه الفيلم، يجب أن تشعر تجاه المرأة، ليس الفيلم. الفيلم لا يمكنك تقبيله” بهذا الزخم الجمالي يدير غودار كاميراته
غودار هو أحد أبطال الوهم الجميل.. وأحد مؤسسي الموجة السينمائية الجديدة في فرنسا الذي قلب موازين الحكاية السينمائية مما أحدث صدمة في تاريخ السينما في فرنسا..
ففي حين كان الدارج يحاكي رضا الرموز العليا إلا أن سينما الموجة الجديدة قد صُممت لإثارة غضب النظام الأبوي وتغيير قواعد اللعبة لصالح الرفض والتمرد فكرياً وتقنياً فدخل التجديد كل تقنيات التصوير بدءاً من الفكرة انتهاء برسم الحركة والتعريض المزدوج ومعدل الإطار
وكشاهد حي على الأثر نرى في فيلمه الأول (اللاهث) بوادر الانقلاب على التقليدي حيث كرّس أهم التقنيات السينمائية في القطع المفاجئ والمربك jump cut والذي وصفه مرّة بأنه معادل تقني جمالي لما يحدث في حياته..
كما أحدث نقلة فريدة في فيلمه (كتاب الصور) حيث طوّع الفن الرقمي الترابطي لخدمة غاية السينما بشكب احترافي وكان لبلدان العالم الثالث دور البطولة حيث ألقى الضوء على حالات القهر والفقر والتهميش الممنهج لمدن الشرق المتعبة
كان لغودار أصدقاء هدفٍ مشترك في إرساء أسس الموجة الجديدة وكان معظمهم من رواد (الضفة اليسرى لباريس) وقد عاشوا لأجل حلم واحد..
وفي المشهد الأخير رحل الثائر ولازال صدى صوته يتردد في أرجاء السينما
” لم نحزن أبداً بما يكفي كي يصبح العالم أفضل “
رحل غودار عن الحياة طوعًا ..