سكان كوكبنا الأعزاء ها نحن نلتقي من جديد، جمعتني الصدفة باللقاء بعض الأشخاص الذي اعتز بهم كثيرا، انخرطنا في أحاديث جانبية بعد تبادل التحايا، لاحظت أنهم كما هم منذ تركتهم منذ خمس سنوات..؟!
مما جعلني أتساءل، لماذا توقف بهم الزمن رغم أنهم قد يكونون اصغر عمرا وأكثر استقرارا ماديًا وأسريا.
لم أجد تفسيرًا غير انه لم تختبرهم الحياة بعد.!!
من يعيش في ظل والديه يظل طفلا، يبدأ نضجه بفقد إحداهم.
لذا استمتعت لأحاديثهم ونصحتهم أن يحسنوا استغلال الفرص على الأقل ليفتخر بهم والديهم وتركتهم وغادرت مجلسنا.
راجعت الخمس سنوات الأخيرة والقفزات التي حققتها في حياتي على كافة الأصعدة وابتسمت كوني حققت كل هذا.
رغم سعادتي بما حققت إلا أنني توقفت أمام طريقة تفكيري التي اختلفت وتساءلت هل ما حدث كان بسبب دراسة المسرح؟!.
لا اخفي عليكم دراسة المسرح من أمتع الدراسات، لأنه الفن الوحيد الذي يجمع كافة الفنون فالمشهد المسرحي يجمع بين الفن التشكيلي ممثلا في خلفيات وديكور المسرحية والموسيقى بالمؤثرات الموسيقية والتمثيل بأداء الممثلين بشكل مباشر وجميعهم يعبرون عن نص سردي. سواء أكان قصة أم رواية أم أسطورة تاريخية.
أتمنى حقا أن يتم تدريس كافة المسرحيات وأنواع الفنون الأدبية في المراحل التعليمية المختلفة، لما تشكله من وعي وعمق في الرؤية الحياتية.
لأن المسرح أبو الفنون..!
قد يتساءل البعض ما سر هذا اللقلب؟!
لأنه من أقدم وأعرق الفنون التي عرفها الإنسان، وقد ارتبط منذ نشأته بطقوس التعبير الجماعي، سواء كانت دينية أو اجتماعية أو ثقافية، ومع تطوّر المجتمعات، تحوّل المسرح إلى وسيلة راقية للتعبير الفني والفكري، تجمع بين المتعة والمعرفة، وبين الترفيه والتنوير.
لا تزال أهمية المسرح قائمة في الحياة المعاصرة، بل تزداد في ظل التحديات الثقافية والاجتماعية التي تواجه الإنسان اليوم.
لأن المسرح مرآة المجتمع، يعكس هموم الناس وتطلعاتهم، وينقل صراعاتهم الداخلية والخارجية من خلال الشخصيات والأحداث، بفضل طبيعته الحية، يوجد تفاعلًا مباشرًا بين الممثلين والجمهور، ما يجعله فنًّا نابضًا بالصدق والحيوية.
خلال نافذة المسرح، يستطيع الإنسان أن يعبّر عن قضاياه، ويطرح الأسئلة الكبرى حول الهوية والعدالة والمعنى، في إطار إبداعي يحترم التعددية الفكرية والثقافية
كما أنه أداة للتربية والتنوير، حيث يؤدي دورًا مهمًّا في العملية التربوية،
إذ يُسهم في تنمية الذوق الجمالي، وتعزيز قيم الحوار، وتطوير المهارات اللغوية والتواصلية لدى الأفراد، وخاصة الشباب.
كما يمكن أن يُوظف المسرح في المؤسسات التعليمية لتعليم التاريخ، والفلسفة، والأخلاق، بأساليب حيوية ومشوقة، ومن خلال المسرح التربوي أو المسرح المدرسي، يُمكن غرس مبادئ المواطنة، ونشر ثقافة الاحترام والتسامح.
أذكر أنه عندما سافرت لبرشلونة منذ عدة أعوام على خلفية إحدى المهرجانات الثقافية من كان يرافقنا في جولتنا أثناء الكتابة وورش الفن المختلفة ممثلا مسرحيا شهيرا.
بعد عودتي بعدة أشهر، قادتني الصدفة للالتحاق بإحدى ورش المسرح في أستوديو عماد الدين.
ولقناعاتي بأهمية هذا الفن التحقت بكيان ثقافي وتعليمي ضخم يعلم المسرح وفنونه وهنا كانت المفاجأة التعليم الأكاديمي اثري كثيرا هذا الميل والانجذاب الفني.
لم أفكر بالتمثيل بالطبع لكن كبار الكتاب على مستوى العالم كتبوا كافة أنواع الأدب فلماذا لا أكون مثلهم..!
مما ولد لدي تحدي جديد وهدف بدا بعيد المنال وصعب لكن باجتياز مراحله وبفضل أستاذتنا تمكنت من استيعابه وتشربه كفن قبل أن يكون منهج وعلم.
إذا كانت الحياة مسرح كبير كما قال السابقون، فلماذا لا نكون جزء من هذا الواقع
المحفّز للتغيير الاجتماعي...!
لطالما كان المسرح في طليعة الفنون التي تتصدّى للقضايا الاجتماعية والسياسية. فهو قادر على فضح الظلم، وكشف التناقضات، وتحفيز الوعي الجمعي نحو التغيير وقد لعبت العديد من التجارب المسرحية، سواء في العالم العربي أو خارجه، دورًا بارزًا في دعم حركات التحرر والعدالة الاجتماعية، فالمسرح ليس مجرد ترفيه، بل هو مساحة للمقاومة الرمزية، ومختبر للأفكار الجديدة.
أبهرتني مسرحية "الفيل يا ملك الزمان" للكاتب السوري سعد الله ونوس..
الفيل الذي قتل الطفل واكل الزرع وعبر عن الآلام و النكسة بانتقاد الحاكم الذي يسكن ربوة عالية ولا يدري شيء عن باقي سكان مملكته.!
كم من نكسة نعاصر وعاصرنا وكم من قلم أنجبته تلك المحن والنكسات؟!
لا يشترط أن تكون النكسة حربية فالنكسة الأخلاقية اكبر وأعمق تأثيرا من النكسات السياسية والحربية، مهمة الفن طرح الأسئلة لا البحث عن إجابات..
كيف عبر الفن عن الآلام أمه بمسرحية وبضع جمل ..!!
في العصر الحديث، أصبح المسرح جزءً من الصناعات الثقافية التي تُسهم في التنمية الاقتصادية، فالعروض المسرحية تخلق فرص عمل لفنانين، وتقنيين، وإداريين، وتُنشّط السياحة الثقافية، وتُسهم في تعزيز الهوية الثقافية للمجتمع.
مع تطوّر تقنيات العرض والتسويق، صار بالإمكان تقديم المسرح في صيغ جديدة تواكب العصر وتستقطب جمهورًا أوسع.
إنّ فن المسرح ليس مجرّد وسيلة للترفيه، بل هو فعل إنساني عميق يُجسّد الحياة بكل ما فيها من تناقضات وأحلام، في زمن تتزايد فيه العزلة الرقمية، يبقى المسرح فضاءً حيًّا للتلاقي الإنساني، وللحوار الجاد حول ما يهم الإنسان حقًّا.
فالمجتمع الذي يقدّر المسرح ويستثمر فيه، هو مجتمع يعترف بأهمية الثقافة في بناء الإنسان وتطوير المستقبل.
لذا أثمن نوافذ المسرح الكنسي التي تفتح أبوابها للجميع، بدعم منقطع النظير وبحرية تامة لا لشيء سوى انتصارا للفن.
سكان كوكبنا الأعزاء ضعوا المسرح على خارطة النشاطات خاصة ونحن على موعد مع موسم الإجازات الصيفية.
لذا كونوا على الموعد.. فهناك الكثير الذي ارغب في التحدث عنه معكم.