قال تعالى
"قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ ۚ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (65) النمل
قال صلى الله عليه وسلم
"من أتى عرافًا أو كاهنًا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد" .
النبوءة
"لن أموت اليوم".. بهذه العبارة نطق الرائد أكرم فريد، وهو يطارد مجموعة من تجار السلاح بالصحراء الغربية، بعد أن اقتحموا الكمين، ولم ينصاعوا للأوامر بالتوقف.
حاول النقيب صلاح إيقافه مطالبًا إياه بانتظار الدعم قائلًا: "هذه مخاطرة كبرى"! ولكن الرائد أكرم لم يلتفت له، وقد استقل سيارته والتي تحمل لوحتها الرقم (13) واستمر بالمطاردة بمفرده، طالبًا من النقيب صلاح انتظار الدعم واللحاق به.
وبعد مرور ما يقرب من الساعتين، لحقت قوات الدعم بالرائد، أكرم الذي كان قد سيطر على المهربين، فقتل منهم اثنين أثناء تبادل إطلاق النيران، واعتقل من استسلموا بانتظار الدعم.
نظر النقيب صلاح إلى تلك الإصابة بكتفه، والتي كانت عبارة عن رصاصة اخترقت الكتف ولم تخرج، فقال له مذكرًا: "ألم أخبرك بأن بذلك مخاطرة كبرى". التفت له الرائد أكرم بنظرة ثابتة، وبها الكثير من التحدي قائلًا: "ألم أخبرك أني لن أموت اليوم".
بالمستشفى وبعد استخراج الرصاصة من كتفه، ابتسم الرائد أكرم بزهو قائلًا: "ما كان أحد منكم ليجرؤ على فعلها، ولكني قد فعلتها".
رد النقيب صلاح قائلًا: "صدقت! كان الأمر مغامرة غير محسوبة، وما كنت لأفعلها منفردًا".
الرائد أكرم بتنهيدة عميقة: "ومن قال لك إنها غير محسوبة"!
النقيب صلاح: "وكيف هذا؟ هل كنت تعلم بما سيحدث؟ وأيضًا لماذا أخبرتني وقتها بأنك لن تموت اليوم؟ هناك شيء ما يحيرني ولا أفهمه أبدًا.. هل ما تفعله شجاعة منقطعة النظير أم أنه تهور واندفاع بغير محله".
واستطرد قائلًا: "كلنا نعلم أنك شجاع، ولم تفشل بأي عملية قط، حتى إنك تجاوزتنا بالترقيات وأصبحت رائدًا، وربما بعد هذه العملية الأخيرة تحصل على ترقيه أخرى بينما نحن زملاؤك ونفس دفعتك أَعْلَانا رتبة على درجة نقيب". ابتسم مستطردًا: "لا نحسدك على ذلك فأنت تستحق، ولكني ما زلت أتساءل: شجاعة أم تهور"؟
ابتسم الرائد أكرم وهو يعود برأسه للوراء، وكذلك بذاكرته وهو يقول لزميله: "لا هذا ولا ذاك يا صديقي، وسأخبرك بكل شيء.. نعم سأخبرك".
أغمض عينيه وكأنه يستعيد أحداث مرت عليها قرونًا قبل أن يتنهد قائلًا: "بدأ الأمر عندما اصطدمت رأسي بحائط خرساني صلب، ونحن نتدرب على اجتياز العوائق بكلية الشرطة، كانت إصابة قوية فقدت على إثرها الوعي، وأصبت بحالة من عدم التركيز وعدم الاتزان لفترة طويلة.
تلقيت العلاج بالكلية وعند أمهر الأطباء والمستشفيات الخاصة، دون جدوى، فقد فقدت النطق تمامًا، ولم أكن أشعر بما يدور حولي.. حتى سمع أبي عن عراف مغربي شهير يعالج الحالات الصعبة والمستعصية.. ورغم تدين والدي وعدم اعترافه بالعرافين أو المنجمين، وكان يعتبرهم مشعوذين ودجالين، إلا إنه –وتحت ضغط وإلحاح من والدتي– ذهب بي إلى هناك.. وعندما دخلنا على العراف نظر إليًّ قائلًا: اجلس يا سيادة العميد! كانت دهشة والدي بالغة جدًّا كما ذكر لي هو ووالدتي، وذلك لسببين: الأول هو كيف علم هذا العراف بأنني بكلية الشرطة! والثاني كيف يقول (عميد) وأنا لم أتخرج بعد! طلب منا الجلوس ثم تحدث قائلًا: غدًا يذهب إلى كليته.
بدهشة تساءل والدي: وكيف يذهب وهو بهذه الحالة؟ هو لا يدرك أي شيء بما يدور حوله، ولا يتحدث ولا يتفاعل مع حديثنا، بل ربما لا يشعر بنا.. العراف قائلًا بثقة وثبات، وهو يشير إليّ، ونظرات عينيه الثاقبة وكأنها تخترقني وتثير بجسدي قشعريرة تصيبني حتى الآن بالخوف كلما تذكرتها: سيخرج من هنا وكأن شيئًا لم يكن، وسيعود أفضل مما كان.
هذه الكلمات أسعدت والِدَيّ رغم تشككهما بالأمر، استطرد العراف قائلًا: سيلمع نجمه لأبعد الحدود، وسيحلق مثل النسر ومن خلفه ثلاثة نجوم.
اقترب من أذني متمتمًا ببعض الكلمات المبهمة، لم يسمعها أحد من الحاضرين، حتى أنا نسيتها وكأنني لم أسمعها قط.
أشار لنا بالخروج بعد أن أعطاني تميمة عبارة عن نجمة سداسية، تتوسطها عين حمراء طالبًا مني ألا أتركها تفارقني أبدًا".
ما إن انتهى الرائد أكرم من حديثة عن نبوءة العراف وتلك النجمة السداسية حتى التفت إليه النقيب صلاح بدهشة بالغة، وتساءل قائلًا: "وهل صدق فيما قال ذلك العراف؟ هل ذهبت باليوم التالي للكلية"؟
أكرم: "أخبرني والدي بأنني بهذا اليوم صعدت إلى غرفتي مباشرة ونمت وكأنني لم أنم منذ سنوات، وعندما استيقظت صباحًا كنت وكأنني لم أصب بأي شيء قط، ولكنني لم أكن أتذكر أيضًا أيًّا من تفاصيل الحادث، أو ما حدث عند العراف، ولولا حديث والدي وتلك التميمة التي ما زلت أحتفظ بها للآن"، قال هذا وهو يخرجها من صدره أثناء حديثه لصلاح، ربما ليؤكد كل كلمة نطق بها، ورغم أن (صلاح) كان يرى التميمة تتدلى من صدر أكرم يوميًّا، إلا إنها لم تكن تعني له أكثر من مجرد سلسلة أو تميمة حظ عادية، رغم عدم إيمانه أو اقتناعه بمثل هذه الأشياء.
استطرد أكرم قائلًا: "ولولا ذلك ما صدقت كل هذا".
بدهشة بالغة وذهول ردد صلاح قائلًا: "شيء لا يصدقه عقل حقًّا! فكيف نجح فيما فشل فيه الطب والعلم"؟ ثم نظر بتساؤل إلى الرائد أكرم متسائلًا بتعجب ودهشة: "ولكن ما علاقة كل هذا –رغم غرابته– بقولك بأنك لن تموت اليوم؟ هل العراف أخبرك بموعد موتك"؟ قالها وهو ينظر بعيني أكرم مباشرة، ثم أكمل قائلًا: "حتى وإن أخبرك بذلك، هل تصدق عرافًا يقتات على الجهل والخرافة، ألا تعلم أن ديننا ينهى عن إتيان العرافين أو تصديقهم! فكيف تسلم عقلك لمثل هذه الخرافات"؟
أكرم مبتسمًا: "هو لم يخبرني بموعد موتي، ولكن لو دققت بكلماته، كما فعلت أنا لأدركت أنى سأصبح عميدًا، وهذه هي الرتبة التي ناداني بها عندما ذهبنا إليه أول مرة.. كذلك قوله إنني سأحلق كنسر يتبعه ثلاثة نجوم، هل دققت قليلًا ماذا يعني ذلك (ثلاثة نجوم يتقدمهم نسر)؟ أليست هذه الرتبة هي (عميد)"؟
صلاح فاغرًا فاه: "أكاد أجن! وما علاقة كل ذلك بالموت"؟
أكرم: "سأشرح لك كل شيء.. ما رتبتي الآن"؟
صلاح: رائد وربما بعد العملية الأخيرة تصبح (مقدم)، وهذا هو المرجح بعد عمليتك الأخيرة".
أكرم مبتسمًا: "إذًا أنا لم أصبح عميدًا بعد، ونبوءة العراف تقول إن نجمي سيلمع وإنني سأصبح عميدًا وسيلمع اسمي.. وكل ما قاله لنا قد تحقق حتى الآن وبالحرف".
صلاح وقد ازدادت دهشته وغرابته مما يسمع، نظر إلى أكرم متسائلًا: "أثناء حديثك قلت عند ذهابنا للعراف أول مرة، وهل كانت هناك مرة ثانية"؟
أكرم: "ببادئ الأمر نسيت كل شيء ولم أعر للأمر اهتمامًا كبيرًا، ولكن مع تحقق كل ما أخبر به العراف وجدتني أحمل رغبة كبيرة بلقائه مرة أخرى، وعندما ذهبت إلى نفس العنوان الذي ذهبنا إليه، بعد إلحاحي على أمي لتعطيني إياه، لم أجده أو أتوصل له، وقد قمت بعمل تحريات عنه، ولكنها باءت كلها بالفشل، وكأنه قد تبخر بالهواء".
صلاح: "حقًّا الأمر غريب جدًّا"!
أكرم: "الأغرب من كل هذا أن العراف قد أتاني بحلم أثناء نومي، وكم أفزعتني رؤيته! فهو قد أشار إليَّ محذرًا ومهددًا، وهو يقول: لا تبحث عني مرة أخرى. حاولت إخباره بأنني أريد فقط سؤاله عن المستقبل، وهل رتبة العميد كل ما سأحصل عليه؟ وهل سأموت بعدها؟ ولكنه نظر إليّ بحدة قائلًا لي بنبرة حادة وهو يبتعد وبصوت خافت للغاية: ستلحق بها حيث ذهبت، ستلحق بها ولن تعود، ستلحق بها ولن تعود".
*********
ما إن أنهى أكرم حديثه حتى كان جبينه قد تصبب عرقًا، وكأنه خارج للتو من سباق ألف ميل، كان هذا أغرب ما سمعه صلاح طوال حياته، ولم يخفِ دهشته مما سمعه، فردد عبارته وهو يشيح بوجهه بعيدًا: "كذب المنجمون ولو صدقوا".
غادر أكرم المستشفى بعد تعافيه، وعاد إلى عمله، وقد قام رؤساؤه بتكريمه ومنحه ترقيه استثنائية نظرًا لتفانيه في عمله، وأصبح يشار إليه على أنه أصغر مقدم بوزارة الداخلية، وتمر الشهور وهو يؤدي عمله بجسارة وجرأة منقطعة النظير.
وبعد عامين من هذه الواقعة، وأثناء مهمة اعتيادية جمعت بين أكرم وصلاح، وجَّه صلاح كلامه لأكرم قائلًا بنبرة خافتة: "أما زلت تذكرها للآن بعد هذه السنوات"؟
أكرم: "وهل مثلها ينسى؟ هي ما زلت تعيش معي.. فإن كانت قد رحلت عني فهي لم ترحل مني.. ولا تنسَ أنها ماتت بسببي أنا.. فمن هاجمونا لم يكونوا يقصدوا ندى، ولكن كنت أنا المستهدف بالموت، فقد كانوا يبحثون عن انتقامهم مني.. وما زال هذا المشهد يملأ رأسي وعقلي وذاكرتي".
عاد بذاكرته إلى الوراء وكأنه يستعيد ما حدث من ركن خفي بذاكرته المظلمة: "كنا بالمقطم.. نتحدث عن حلمنا وعن أسماء أطفالنا، قبل أن يهاجمنا الملثمون بإطلاق النار، وقبل أن أستوعب ما يحدث أو أصد هجومهم وأبادلهم إطلاق النار كانت هناك رصاصة غادرة قد أصابت ندى بقلبها لتسقط من بين يدي ويتهاوى جسدها من أعلى المقطم على الصخور وتفارق الحياة دون وداع".
انسابت دمعة حزينة من عينيه، وهو يقول: "كانت تنظر إليّ بعينين صامتتين، وكانت تمد إليّ يديها، ولكني لم أستطع إنقاذها أبدًا".
نظر بعينيه الدامعتين إلى صلاح وهو يقول بصوت متهدج من الدموع وبحشرجة تصاحب كلماته: "هل تعلم أنني وقتها كنت أعلم أن موعد موتي لم يحن بعد.. كنت واثقًا أن الموت لن يخطفني بذلك اليوم لأنني لم أصبح عميدًا بعد، أما ندى فقد ماتت بسببي.. ماتت دون أن تحقق أحلامها.. ماتت دون وداع".
صلاح متأثرًا: "لكل أجل كتاب، والموت مقدر على كل البشر ولا أحد يموت قبل أوانه".
أشاح أكرم بوجهه بعيدًا وهو ينظر إلى الفراغ اللا متناهي، فقد خيل إليه بهذه اللحظات أنه يرى العراف يشير إليه غاضبًا وهو يتمتم بشفتيه: "ستلحق بها حيث ذهبت.. ستلحق بها ولن تعود.. ستلحق بها.. ستلحق بها".
*******
"اشتقت إليك.. هل نسيتني حقًّا"؟
كانت هذه كلمات ندى لأكرم الذي مد يده إليها محاولًا أن يلمس أصابعها لينقذها من السقوط، كانت تتهاوى أمامه وجسدها يرتطم بالصخور، بينما عيناها تحدقان به ويدها ممدودة إليه بأمل وتوسل، وهو عاجز من الوصول إليها وإنقاذها، ما أصعب ذلك الشعور بالعجز عندما تجد من تحب يضيع من بين يديك، وأنت تنظر إليه بصمت واستسلام.
انتفض من نومه وهو يفرك عينيه صارخًا بكل ما أوتي من قوة: "لااااااااا".. عندما استعاد هدوءه قليلًا نظر إلى نفسه بالمرآة متسائلًا: "ترى! لماذا يتكرر هذا الحلم؟ هل تلومني ندى على عدم إنقاذي لها أم أنها عاتبة عليَّ لظنها أنني قد نسيتها"؟
ابتسم ابتسامة باهتة، وهو يردد: "ليتني أستطيع النسيان، ولكن كيف لي أن أنسى من ماتت بين يدي، من توقف قلبها من أجلي، حتى إنني ما زلت أحيا على ذكراها باحثًا عنها بكل الوجوه".
ارتدى ملابسه وأدار سيارته، وبدون وعي منه وجد نفسه يتوجه إلى نفس المكان حيث كان آخر لقاء بينه وبين ندى، جلس بسيارته بأعلى نقطه بالمقطم، يراقب السيارات تحت المقطم والأضواء المتلألئة بكل مكان من حوله، وبنفس النقطة التي فقد فيها ندى، تنهد بعمق وهو يردد: "ما زالت روحك تسكنني، وما زال قلبي ينبض بحبك، ليتني كنت أعلم بما حدث.. ليت ذلك العراف أخبرني بهذا المصير لكنت تجنبته".
كان ما زال خلف مقود سيارته، وقبل أن يدير مفتاح سيارته للعودة من حيث أتى فوجئ بسيارة دفع رباعي من خلفه تصدمه بعنف وقوة، محاولة إلقاءه بسيارته من أعلى المقطم باستماته، حاول المراوغة والعودة للخلف أو الخروج من السيارة، ولكن الرصاص من حوله كان ينهمر كالمطر.
بهذه اللحظة أدرك أن لحظة الثأر لندى قد حانت، وأن من فشلوا بقتله سابقًا جاءوا ليكملوا ما بدؤوه ولكنهم أغبياء، بهذه اللحظة لم يكن الخوف يعرف طريقه إليه، أخذ يردد بصوت عالٍ: "لن أموت اليوم.. لن أموت اليوم".
أخرج التميمة.. وضعها بين يديه وهو يضغط عليها بقوة وبعنف، وبيده الأخرى يطلق النيران على مهاجميه قبل أن ينجح مهاجموه بحصاره لتتهاوى سيارته من أعلى نقطه بالمقطم مرتطمة بالصخور، وهو بداخلها والتميمة بين أصابعه يعتصرها بقوة.. شريط طويل من حياته يتراءى له الآن بهذه اللحظات: طفولته، أبواه، دراسته، الأوسمة، الترقيات، مغامراته، ندى حبيبته وذكرياتهم وأحلامهم وأمنياتهم.. وها هي الآن تمد إليه يدها بهذه اللحظات، وهو يقترب منها لتتلامس أصابعهم فيقبض على يدها بحنو ناظرًا لعينيها بحب.. أغمض عينيه وضغط على التميمة وهو يستعيد كلمات العراف الأولى له بأذنه عندما ذهبوا إليه بالمرة الأولى، الآن يتذكرها بوضوح كانت الكلمات تقول: "أنت الآن تتبعني بروحك.. ولكن حذار أن تتبعني بجسدك".
ها هي ندى تمد يدها إليه وهي تنتظره بالأسفل والسيارة تتهاوى مصطدمة بالصخور الناتئة بعنف وقوة، شعر بدوار وثقل برأسه، وخدر بكامل جسده كاد يفقده وعيه، وكلمات العراف الأخيرة له بالحلم تتردد بذهنه: "ستلحق بها حيث ذهبت.. ستلحق بها ولن تعود.. ستلحق بها ستلحق بها". قبل أن يصطدم بقاع الجبل، ويحل الظلام الدامس بعقله وينطفئ بريق عينيه، ويخفت نبضه وقلبه للأبد.
جلس صلاح حزينًا على صديقه، وذلك المصير الذي حل به متوعدًا أولئك القتلة بالثأر لصديقه، عاد بذاكرته لكل الأحداث الأخيرة، وما رواه له صديقه من أسرار وحكايات عن العراف.. مما جعله يشعر بالحيرة والاضطراب، بين ما تربى عليه ببيت جده محفظ القرآن، من إيمان كامل بالقضاء والقدر خيره وشره، والتسليم المطلق لله سبحانه وتعالى فيما يقدره على عباده، وأن اختيار الله هو الأفضل، وبين ما يروجه البعض عن أولئك المنجمين وما يطلقونه عليهم من ألقاب، فهذا العَالِم الروحاني، وذلك العلّامة النابغة، وذاك العالم الفلكي الشهير.
لِمَ لا وقد أصبح الفضاء يفسح لهم قنوات خاصة بهم، وبرامج خصصت لهم وميديا، ومتصلون يصبغون عليهم العلم والقداسة! كل هذا جعل صلاح بحيرة شديدة وضعته أمام الكثير من التساؤلات بلا أي إجابات، ظلت كلمات أكرم يتردد صداها بأذنه ولا تغادره أبدًا، وهو يردد بثقة ويقين وعناد: "لن أموت اليوم"! وها هو قد مات ولم يحصل على رتبة عميد كما أخبره العراف، فهو ما زال عقيدًا ولم ينل رتبة العميد.
كم أخبرتك يا صديقي أنهم ليسوا سوى مشعوذين!
أعَدَّ قهوته لعلها تعيد له بعض تركيزه المفقود، تناول الصحيفة وقلب بين صفحاتها بأصابعه، وقع نظره على ذلك الخبر المنشور مع تفاصيل الحادث وصورة أكرم وتحتها الرتبة والاسم، وكان هذا كفيلًا بأن يفقده الوعي للحظات، فقد كان الخبر يقول: وزارة الداخلية تكرم اسم العقيد أكرم، وتمنحه وسام الشجاعة من الدرجة الأولى، والذي تسلمه والده باحتفالات عيد الشرطة، كما تمنحه رتبة عميد شرفية نظير شجاعته وتفانيه في خدمته للوطن.
تمت