آية ١١٨ سورة التوبة الجزء الحادي عشر
وَعَلَى ٱلثَّلَٰثَةِ ٱلَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّىٰٓ إِذَا ضَاقَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلۡأَرۡضُ بِمَا رَحُبَتۡ وَضَاقَتۡ عَلَيۡهِمۡ أَنفُسُهُمۡ وَظَنُّوٓاْ أَن لَّا مَلۡجَأَ مِنَ ٱللَّهِ إِلَّآ إِلَيۡهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيۡهِمۡ لِيَتُوبُوٓاْۚ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ ﴿١١٨﴾
هذه الآية نزلت في الثلاثة الذين خُلِّفوا من الأنصار -وهم كعب بن مالك وهلال بن أُميَّة ومُرَارة بن الربيع- تخلَّفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحزنوا حزنًا شديدًا، حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بسَعَتها غمًّا وندمًا بسبب تخلفهم، وضاقت عليهم أنفسهم لِمَا أصابهم من الهم، وأيقنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه، وفَّقهم الله سبحانه وتعالى إلى الطاعة والرجوع إلى ما يرضيه سبحانه. إن الله هو التواب على عباده، الرحيم بهم.
استوقفني في هذه الآية جملة
" ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم"
إحساس مرير وحزين بأن يشعر الإنسان أنه مدفون داخل بئر عميق مظلم لا يوجد به هواء لكي يتنفس، فلقد أحكم الحزن وثاقه على نفسه وقيدها بأغلال الضيق واليأس والألم، فأعجزه عن التنفس و الحِراك والفِكر بل أعجزه عن الحياة .
ولكن السؤال هنا لماذا شعرهؤلاء الثلاثة بكل هذا الألم؟
وكانت الإجابة لأنهم تخلفوا عن رسول الله . هكذا حال المؤمنين إذا قصروا في عبادتهم أو ارتكبوا أي معصية شعروا هذا الشعور القاتل فتضيق عليهم أنفسهم وتضيق بهم الأرض ذرعًا ولا تعود أرواحهم إليهم إلا بعد التوبة والاستغفار والبشارة من الله بالقبول .
وهل تظن أن الإنسان الخطّاء العاصي الذي لا يكترث إلى أوامر الله ورسوله ويقضي ليله ونهاره في المعصية أتظنه يشعر بهذا الضيق؟؟؟
فلقد (خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ )
إنه يفعل ذلك بأريحية تامة بل ويستصغر كل معصية يرتكبها، ولا يأبه لعقاب أو توبة فهو لا يتذكر الأخرة رغم رائحة الموت التي تملأ أركان الكون في الآونة الأخيرة، ومن لا يعظه الموت لا يعظه واعظ.
فنعوذ بالله أن نكون من الضالين التائهين المغيبين الغائبين، اللهم اجعلنا من الذاكرين المتذكرين الواعين الذين إذا ضلوا ضاقت عليهم أنفسهم ليعودوا إليك تائبين مستغفرين نادمين، اللهم تقبلنا في عبادك الصالحين واعفو عنا بكرمك وعفوك يا أرحم الراحمين .