لماذا خُلقتِ بهذه القسوة؟
وكيف تجرئين على تمزيقِ أرواحِنا وتشتيت رُفاتِها بهذه الأريحية؟
لماذا اختلطت رِيحُ ذِكرانا بغٌبارِ كل هذا الحضور السقيم الزائف، فتشابه فيكِ أريجُ الحابل بالنابل؟ كيف تكونين بكل هذه اللامبالاة؟
ألا تملكين ولو ذرة ضمير تُمهلكِ لحظة ثبات لكي تُعيدي التفكير وتتأني لوهلةٍ كي تهدأ عواصفكِ الجامحة تلك؟ ألا تتحسسين هذا الأنين الذي يسكن نفوس هؤلاء المساكين التي تتهاوى أحلامهم وآمالهم عنوةً، وتتساقط مثل أوراق الخريف من كل هذا الخذلان و الانكسار ؟
هم الذين لم يتخطوا حتى أعتابكِ !! هؤلاء الذين يتوخون الحذر دائمًا ويسيرون مُوازيين للحائط ــ كما نقول ــ أخبريني عنهم أيتها الحياة، ها ..
ما ذنبهم؟
لقد ظنوا أنهم في منأى عن كل نزاعاتكِ ورغباتكِ وحروبكِ، فكسرتِ نفوسهم الأبيَّة، ودمرتِ عزيمتهم وأطحتِ بآمالهم، وهزمتِ فيهم صبرهم وقوتهم وإرادتهم، استوقفتِ خطواتهم، وقلَّصتِ بعنفوانكِ براح إقدامهم وطموحهم .
أين بصيرتكِ لكي تميزي بها بين الطالح والصالح؟
لماذا يتساوى الجميع ولا ينجو أحد أمام براثن أنيابكِ الساحقة؟
انظري إلى هؤلاء المعتدين الآثمين، هؤلاء الْعَادُونَ الذين استباحوا حٌرمات قلوبنا الطاهرة، كيف تركتِ لهم عنان متاعك وزمام متعتك وجلّ سيطرتك وحرمتينا إياها ؟
ونحن الأبرياء ..
نحن المخلصون الطاهرون الأنقياء
أهكذا جعلتِ لهم اليد العليا على أحلامنا وكرامتنا وعزتنا؟
أهكذا يكون العدل ؟
حلقة مٌفرغة والكُل معها يدور، لا فرق بين مَنْ لم يتعدَها وظلَّ قائمًا على أطرافها، أو مَنْ تعمَّق داخل لُب عُمقها، الجميع على قيد الحياة
سائر.. دائر.. حائر..
نبني ونُشيِّد قصورًا من الأوهام فيكِ، ثم نعود لنقطة البداية .. نقطة الصفر خاويين الوِفاض.
وصدق الحقّ -سبحانه وتعالى- حين قال في سورة الكهف:
"وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِرًا" (45)
هكذا هي الحياة.. أو كما أسميتها أنا "الرحى"