بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية (إطلالة على فضل اللغة العربية في القرآن الكريم) "معلومٌ أنّ تعلمَ العربية وتعليمَ العربية فرضٌ على الكفاية، وكان السلف يؤدّبون أولادهم على اللحن، فنحن مأمورون أمرَ إيجابٍ أو أمرَ استحبابٍ أن نحفظ القانون العربي، ونُصلح الألسن المائلة عنه، فيحفظ لنا طريقة فهم الكتاب والسنّة، والاقتداء بالعرب في خطابها، فلو تُرك الناس على لحنهم كان نقصاً وعيباً" ( ابن تيمية). تنزَّل بها الكتاب الكريم، كتاب رب العالمين، على الرسول الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم ، الذي كان أفصح البشر لساناً، فزاد من شرف اللغة العربية أنها كانت لغته صلى الله عليه وسلم التي مكَّنه الله - عز وجل - منها أيما تمكُّن، وكان صحابته الكرام وسلف الأمة - رضوان الله عليهم - على النهج ذاته في العناية باللغة العربية تكريماً وعناية وتشريفاً. فضل اللغة العربية في القرآن الكريم: وعندما نتأمل عناية القرآن الكريم باللغة العربية نجد عدة آيات تنص على نزول القرآن عربياً، وهو شرفٌ أي شرفٍ لهذه اللغة، أن تكون اللغة التي اصطفاها الله - عز وجل - لمخاطبة عبادة، حيث وُصف القرآن بكونه عربياً في ست آيات، وهي قوله تعالى: {الچـر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْـمُبِينِ 1إنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [يوسف: ١، ٢]. {وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا} [طه: 113] . {وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ 27 قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [الزمر: 27، 28] {حم» 1 تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 2 كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [فصلت: ١ - ٣]. {حـم» 1 وَالْكِتَابِ الْـمُبِينِ 2 إنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ 3 وَإنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ} [الزخرف: ١ - ٤]. {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنذِرَ يَوْمَ الْـجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْـجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} [الشورى: ٧]. كما جاء وصفه باللسان العربي في ثلاث آيات، وهي قوله تعالى: {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْـحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ 102 وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إنَّمَا يُعَلِّـمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْـحِدُونَ إلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ} [النحل: 102، 103]. {وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إمَامًا وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُّصَدِّقٌ لِّسَانًا عَرَبِيًّا لِّيُنذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ} [الأحقاف: 12]. {وَإنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ 192 نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ 193 عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْـمُنذِرِينَ 194 بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ 195وَإنَّهُ لَفِي زُبُرِ الأَوَّلِينَ 196 أَوَلَمْ يَكُن لَّهُمْ آيَةً أَن يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إسْرَائِيلَ 197 وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الأَعْجَمِينَ 198 فَقَرَأَهُ عَلَيْهِم مَّا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ} [الشعراء: 192 - 199] وجاء تفصيل كونه عربياً وليس أعجمياً في آية واحدة، وهي قوله تعالى: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَّقَالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ} [فصلت: ٤٤]. وجاء وصفه بالحكم العربي في آية واحدة، وهي قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلا وَاقٍ} [الرعد: 37]. والحاصل من ذلك أن مجموع ما ورد من ألفاظ العربية في وصف القرآن إحدى عشر آية تدل على شرف اللغة العربية، دلالة لا ينكرها إلا مكابر أو جاحد. قال الفراء: «وجدنا للغة العرب فضلاً على لغة جميع الأمم اختصاصاً مـن الله تعالى وكرامة أكرمهم بها، ومن خصائصها أنه يوجد فيها من الإيجاز ما لا يوجد في غيرها من اللغات». ولفظة عربي ما جاءت في هذه الأيات الكريمات صفة لجنس من البشر، وإنما للكتاب المنزل من الله تعالى، وهذا له بُعدُه ودلالته؛ «فعربية القرآن إنما هي عربية منهج إبانة، ولذا كثر في هذه الأيات قوله لعلكم تعقلون، لعلهم يتقون، لعلهم يتذكرون، وهذا كله إنما يكون من منهاج الإبانة على معانيه ومقاصده ومغازيه». ودلالته أن العربية لغة تفوق غيرها من اللغات في الفصاحة والبيان، قال السعدي: «يخبر تعالى أن آيات القرآن هي {آيَاتُ الْكِتَابِ الْـمُبِينِ} [الشعراء: أي: البيِّن الواضحة ألفاظه ومعانيه. ومن بيانه وإيضاحه: أنه أنزله باللسان العربي، أشرف الألسنة، وأبينها»[3]. وقال ابن كثير معللاً اختيار العربية لغة للقرآن الكريم: «وذلك لأن لغة العرب أفصح اللغات وأبينها وأوسعها، وأكثرها تأدية للمعاني التي تقوم بالنفوس؛ فلهذا أنزل أشرف الكتب بأشرف اللغات». كما أن «اختيار الله للعربية، أو اللسان العربي، ليكون أداة التوصيل، ووسيلة الإبانة، ووعاء التفكير للرسالة الخاتمة الخالدة... قضية ذات أبعاد لغوية، وثقافية، وعلمية، وحضارية، حيث لم يعد ينكر اليوم، علاقة التعبير بالتفكير، ودور التعبير في التفكير والإبداع الأدبي والعلمي، والمحاكمات العقلية... لذلك فمجرد اختيار العربية لتكون لغة التنزيل والإبانة والتوصيل... يعني امتلاكها هـذه الأبعاد جميعاً». ولذا فإن التبحر في هذه اللغة هو السبيل لإدراك معاني الكتاب، وهو شرف كبير لهذه اللغة أن جعلها الله - عز وجل - مفتاح الوصول لمعاني الكتاب العزيز ومراميه، قال الفارابي: «القرآن كلام الله وتنزيله، فَصَّل فيه مصالح العباد في معاشهم ومعادهم، مما يأتون ويَذَرُون، ولا سبيل إلى علمه وإدراك معانيه إلا بالتبحر في علم هذه اللغة». بل هـي السبيل لضبط الدين بالكليـة كما قـال ابن تيمية: «إنَّ الله لما أنزل كتابَه باللسان العربي، وجعل رسولَه مبلِّغاً عنه الكتاب والحكمة بلسانه العربي، وجعل السَّابقين إلى هذا الدين متكلِّمين به، ولم يكن سبيل إلى ضبط الدِّينِ ومعرفته إلا بضبط هذا اللسان، صارت معرفته من الدِّين، وأقرب إلى إقامةِ شعائر الدين. فضل اللغة العربية في السنة النبوية: وكما أن للغة العربية تلك المنزلة الرفيعة في القرآن الكريم، فإن منزلتها في السنة النبوية، لا تقل عن ذلك بحال، وليس أصدق على ذلك من قوله صلى الله عليه وسلم وفعله وسمته وهديه في العناية بهذه اللغة. عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال: «خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً كالمودِّع فقال: أنا محمد النبي الأمي (قاله ثلاث مرات) ولا نبي بعدي، أوتيت فواتح الكلم وخواتمه وجوامعه». وقريباً منه ما جاء عن أبي موسى الأشعري عبد الله بن قيس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أُعطِيتُ فَواتِحَ الكَلِمِ وخَواتِمَه. قُلْنا: يا رسولَ اللهِ عَلِّمْنا مما عَلَّمَك اللهُ عز وجل، فعَلَّمَنا التشَهُّدَ». فقد أعطي صلى الله عليه وسلم «فواتح الكلم» «أي البلاغة والفصاحة والتوصل إلى غوامض المعاني وبدائع الحكم ومحاسن العبارات التي أغلقت على غيره... (وجوامعه) التي جمعها الله فيه فكان كلامه جامعاً كالقرآن في كونه جامعاً فإنه خلقه، (وخواتمه) أي خواتم الكلام يعني حسن الوقف ورعاية الفواصل فكان يبدأ كلامه بأعذب لفظ وأجزله وأفصحه وأوضحه ويختمه بما يشوق السامع إلى الإقبال على الاستماع مثله والحرص عليه». ولفظة «أعطيت» توحي بأن الله عز وجل منحه وميزه صلى الله عليه وسلم بهذه المزية، ولن يختار الله سبحانه وتعالى لنبيه إلا الكمال والعلو الذي تمثل في إحاطته التامة باللغة العربية وحسن فصاحته وبيانه. قال القاضي عياض: «وأما فصاحة اللسان وبلاغة القول فقد كان صلى الله عليه وسلم من ذلك بالمحل الأفضل والموضع الذي لا يجهل؛ سلاسةَ طبع وبراعةَ منزع وإيجازَ مقطع ونصاعةَ لفظ وجزالةَ قول وصحةَ معانٍ وقلةَ تكلُّف، أوتي جوامع الكلم، وخص ببدائع الحكم، وعلم ألسنة العرب، فكان يخاطب كل أمة منها بلسانها ويحاورها بلغتها ويباريها في منزع بلاغتها». وقال الرافعي واصفاً بلاغته صلى الله عليه وسلم : «إذا نظرت في ما صح نقله من كلام النبي صلى الله عليه وسلم على جهة الصناعتين اللغوية والبيانية، رأيته في الأولى مُسددَ اللفظ مُحكم الوضع جزل التركيب متناسِب الأجزاء في تأليف الكلمات... ورأيته في الثانية حسن المعرِض، بيِّن الجملة، واضحَ التفضيل، ظاهِرَ الحدود جيدَ الرصفِ، متمكن المعنى؛ واسع الحيلة في تصريفه، بديعَ الإشارة، غريب اللمحة، ناصع البيان. لذا فإن فهم السنة النبوية وإدرك كنهها ومراميها يحتاج - كما أسلفنا القول في القرآن - إلى تبحر وسعة علم باللغة العربية، وهو شرف وتكريم يضاف إلى ما سبق من تكريم وتشريف لهذه اللغة. قال: الأصمعي «إن أخوف ما أخاف على طالب العلم، إذا لم يعرف النحو أن يدخل في جملة قول النبي صلى الله عليه وسلم : (مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّار؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يلحن، فمهما رويت عنه ولحنت فيه كذبت عليه» فضل اللغة العربية في السنة النبوية: وكما أن للغة العربية تلك المنزلة الرفيعة في القرآن الكريم، فإن منزلتها في السنة النبوية، لا تقل عن ذلك بحال، وليس أصدق على ذلك من قوله صلى الله عليه وسلم وفعله وسمته وهديه في العناية بهذه اللغة. عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال: «خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً كالمودِّع فقال: أنا محمد النبي الأمي (قاله ثلاث مرات) ولا نبي بعدي، أوتيت فواتح الكلم وخواتمه وجوامعه». وقريباً منه ما جاء عن أبي موسى الأشعري عبد الله بن قيس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أُعطِيتُ فَواتِحَ الكَلِمِ وخَواتِمَه. قُلْنا: يا رسولَ اللهِ عَلِّمْنا مما عَلَّمَك اللهُ عز وجل، فعَلَّمَنا التشَهُّدَ». فقد أعطي صلى الله عليه وسلم «فواتح الكلم» «أي البلاغة والفصاحة والتوصل إلى غوامض المعاني وبدائع الحكم ومحاسن العبارات التي أغلقت على غيره... (وجوامعه) التي جمعها الله فيه فكان كلامه جامعاً كالقرآن في كونه جامعاً فإنه خلقه، (وخواتمه) أي خواتم الكلام يعني حسن الوقف ورعاية الفواصل فكان يبدأ كلامه بأعذب لفظ وأجزله وأفصحه وأوضحه ويختمه بما يشوق السامع إلى الإقبال على الاستماع مثله والحرص عليه. ولفظة «أعطيت» توحي بأن الله عز وجل منحه وميزه صلى الله عليه وسلم بهذه المزية، ولن يختار الله سبحانه وتعالى لنبيه إلا الكمال والعلو الذي تمثل في إحاطته التامة باللغة العربية وحسن فصاحته وبيانه. قال القاضي عياض: «وأما فصاحة اللسان وبلاغة القول فقد كان صلى الله عليه وسلم من ذلك بالمحل الأفضل والموضع الذي لا يجهل؛ سلاسةَ طبع وبراعةَ منزع وإيجازَ مقطع ونصاعةَ لفظ وجزالةَ قول وصحةَ معانٍ وقلةَ تكلُّف، أوتي جوامع الكلم، وخص ببدائع الحكم، وعلم ألسنة العرب، فكان يخاطب كل أمة منها بلسانها ويحاورها بلغتها ويباريها في منزع بلاغتها. وقال الرافعي واصفاً بلاغته صلى الله عليه وسلم : «إذا نظرت في ما صح نقله من كلام النبي صلى الله عليه وسلم على جهة الصناعتين اللغوية والبيانية، رأيته في الأولى مُسددَ اللفظ مُحكم الوضع جزل التركيب متناسِب الأجزاء في تأليف الكلمات... ورأيته في الثانية حسن المعرِض، بيِّن الجملة، واضحَ التفضيل، ظاهِرَ الحدود جيدَ الرصفِ، متمكن المعنى؛ واسع الحيلة في تصريفه، بديعَ الإشارة، غريب اللمحة، ناصع البيان». لذا فإن فهم السنة النبوية وإدرك كنهها ومراميها يحتاج - كما أسلفنا القول في القرآن - إلى تبحر وسعة علم باللغة العربية، وهو شرف وتكريم يضاف إلى ما سبق من تكريم وتشريف لهذه اللغة. قال: الأصمعي «إن أخوف ما أخاف على طالب العلم، إذا لم يعرف النحو أن يدخل في جملة قول النبي صلى الله عليه وسلم : (مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ)؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يلحن، فمهما رويت عنه ولحنت فيه كذبت عليه». فضل اللغة العربية في آثار السلف: ولهذا الفضل والتكريم الذي حظيت به اللغة العربية في القرآن والسنة عني الصحابة - رضي الله عنهم - والسَّلفُ من بعدهم بعلومِ اللغة العربية، وحثُّوا على تعلُّمِها، لفضلها وعلوِّ منزلتها، قال ابن تيمية: «وما زال السلف يكرهون تغيير شعائر العرب حتى في المعاملات وهو (التكلم بغير العربية) إلا لحاجة كما نص على ذلك مالك والشافعي وأحمد بل قال مالك: من تكلم في مسجدنا بغير العربية أخرج منه». ومن الآثار الواردة في عناية الصحابة باللغة العربية ما جاء عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: «تَعَلَّمُوا الْعَرَبِيَّةَ فَإِنَّهَا تُثَبِّتُ الْعَقْلَ، وَتَزِيدُ فِي الْمُرُوءَةِ». وَكَتَبَ إِلَى أَبِي مُوسَى الأشعري: «أَمَّا بَعْدُ فَتَفَقَّهُوا فِي السُّنَّةِ، وَتَفَقَّهُوا فِـي الْعَرَبِيَّةِ، وَأَعْرِبُــوا الْقُـــرْآنَ فَإِنَّهُ عَرَبِيٌ». ومن فقه السلف أنهم كانـوا يرون اللغة العربية من الدين، «فقد كان أبو عمرو بن العلاء يَعُدُّ العربية من الدين لا تنفصل عنه ولا ينفصل عنها، فبلغ ذلك عبد الله بن المبارك فقال: صدق». كما كانوا يرونها تؤثر تاثيراً بالغاً في العقل والخلق، قال ابن تيمية: «اعتياد اللغة يؤثِّر في العقل والخلق والدين تأثيراً قوياً بَيِّناً، ويؤثِّر أيضاً في مشابهة صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين، ومشابهتهم تزيد العقل والدين والخلق. وأيضاً فإن نفس اللغة العربية من الدين، ومعرفتها فرضٌ واجب؛ فإنَّ فَهْمَ الكتاب والسنة فرض، ولا يُفْهم إلا بفهم اللغة العربية، وما لا يتمُّ الواجب إلا به فهو واجب». ومنعوا غير العالم بالعربية المتقن لها من القول في الشريعة، قال الشاطبي: «فعلى الناظر في الشريعة والمتكلم فيها أصولاً وفروعاً... أن لا يتكلم في شيء من ذلك حتى يكون عربياً أو كالعربي في كونه عارفاً بلسان العرب، بالغاً فيه مبالغ العرب. ومن فقههم ورؤيتهم لمنزلة اللغة العربية وفضلها أن جعلوا كل العلوم مفتقراً إليها، قال ياقوت الحموي: «وحسبك من شرف هذا العلم أن كل علم على الإطلاق مفتقر إلى معرفته، محتاج إلى استعماله في محاورته، وصاحبه فغير مفتقر إلى غيره، وغير محتاج إلى الاعتضاد والاعتماد على سواه، فإن العلم إنما هو باللسان، فإذا كان اللسان معوجّاً متى يستقيم ما هو به؟». كما كان السلف - رضوان الله عليهم - يرون في اللغة العربية سبيلاً لرفعة الشأن وعلو المنزلة، وأن الجهل بها يحط من قدر الإنسان، قال ابن شبرمة: «إذا سرك أن تعظم في عين من كنت في عينه صغيراً، أو يصغر في عينك من كان فيها كبيراً، فتعلم العربية فإنها تجـرئك على المنطق وتدنيك من السلطان قال الشاعر: اللحن يُصلح من لسان الألكن والمرء تعظِّمه إذا لم يلحن ولحن الشريف محطة من قدره فتراه يسقط من لحان الأعين وترى الدني إذا تكلم معرباً حاز النهاية باللسان المعلن وإذا طلبت من العلوم أجلَّها فأجلُّها منها مقيم الألسن. أما كيف أثَّرت اللغة العربية في حياة السلف، فيقول الرافعي: «إذا اعتبرنا لغتهم رأينا حقيقة التمدن فيها متمثلة، وشروطه في مجموعها متحققة؛ فهي منهم بحر الحياة الذي انصبت فيه جميع العناصر... وكأنها هي التي كانت تهذب نفوسهم وتزنها، وتعدلها وتخلصها برقة أوضاعها وسمو تراكيبها، حتى ينشأ ناشئهم في نفسه على ما يرى من أوضـاع الكمـال في لغته؛ لأنه يتلقنها اعتياداً من أبوية وقومه، ولهيَ أقوم على تثقيفهم من المؤدب بأدبه، والمعلم بعلمه وكتبه؛ لأنها حركات نفسية على مدارها انجذاب الطبع فيهم». وأجمل ما نختم به ما ذكره الرافعي: «إن هذه العربية بنيت على أصل سحري يجعل شبابها خالداً عليها فلا تهرم ولا تموت، لأنها أعدت من الأزل فَلكاً دائِراً للنيِّرين الأرضيين العظيمين (كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم )، ومِن ثَمَّ كانت فيها قوة عجيبة من الاستهواء كأنها أخذة السحر. أشهر ماقيل عن اللغة العربية: اللغة العربية بدأت فجأة على غاية الكمال، وهذا أغرب ما وقع في تاريخ البشر، فليس لها طفولة ولا شيخوخة ( الفرنسي إرنست رينان). اعلم أنّ اعتياد اللغة يؤثر في العقلِ والخلقِ والدينِ تأثيراً قويّاً بيّناً، ويؤثر أيضاً في مشابهةِ صدرِ هذه الأمّةِ من الصحابةِ والتابعين، ومشابهتهم تزيد العقلَ والدينَ والخلقَ، وأيضاً فإنّ نفس اللغة العربية من الدين، ومعرفتها فرضٌ واجبٌ، فإنّ فهم الكتاب والسنّة فرضٌ، ولا يُفهم إلاّ بفهم اللغة العربية، وما لا يتمّ الواجب إلاّ به فهو واجب ( الفقيه المسلم ابن تيمية). لغة إذا وقعت على أكبادنا كانت لنا بردًا على الأكباد… وتظل رابطـــة تؤلف بيننا فهي الرجاء لناطق بالضاد ( الشاعر اللبناني حليم دموس). العربية لغة كاملة محببة عجيبة، تكاد تصور ألفاظها مشاهد الطبيعة، وتمثل كلماتها خطرات النفوس، وتكاد تتجلى معانيها في أجراس الألفاظ، كأنما كلماتها خطوات الضمير ونبضات القلوب ونبرات الحياة ( الدكتور عبد الوهاب عزام). ن العربية الفصحى لتدين حتى يومنا هذا بمركزها العالمي أساسياً لهذه الحقيقة الثابتة، وهي أنها قد قامت في جميع البلدان العربية والإسلامية رمزاً لغوياً لوحدة عالم الإسلام في الثقافة والمدنية، لقد برهن جبروت التراث العربي الخالد على أنه أقوى من كل محاولة يقصد بها زحزحة العربية الفصحى عن مقامها المسيطر، وإذا صدقت البوادر ولم تخطئ الدلائل فستحتفظ العربية بهذا المقام العتيد من حيث هي لغة المدنية الإسلامية ( يوهان فك المستشرق الألماني). فاللغة بها جاءت شريعتنا فإذا بطلت اللغة بطلت الشرعية والأحكام، والإعراب أيضا به تنصلح المعاني وتفهم .. فإذا بطل الإعراب بطلت المعاني، وإذا بطلت المعاني بطل الشرع أيضا وما يبدو عليه أمر المعاملات كلها من المخاطبات والأقوال (الفقيه أبو حيان التوحيدي). كل هذِه المُفردات تخنقني كأنّها مسامِير صدِئة في رئتَيْ : شيعي، سُنّي، مسيحي، صُبّي، يزيدي، كتابِي، رافضِي، ناصبي، كافر، يهودي، لو أنّ بإمكانِي أنْ أمحوها كلّها ، أو أُفخّخ اللغة وأفجّرها كيْ يستحِيل استخدامُ هذه المُفرداتْ ( سنان أنطون). إنّ في الإسلام سنداً هامّاً للغة العربية أبقى على روعتها وخلودها فلم تنل منها الأجيال المتعاقبة على نقيض ما حدث للغات القديمة المماثلة، كاللاتينية حيث انزوت تماماً بين جدران المعابد. ولقد كان للإسلام قوة تحويل جارفة أثرت في الشعوب التي اعتنقته حديثاً، وكان لأسلوب القرآن الكريم أثر عميق في خيال هذه الشعوب فاقتبست آلافاً من الكلمات العربية ازدانت بها لغاتها الأصلية فازدادت قوةً ونماءً. والعنصر الثاني الذي أبقى على اللغة العربية هو مرونتها التي لا تُبارى، الألماني المعاصر مثلاً لا يستطيع أن يفهم كلمةً واحدةً من اللهجة التي كان يتحدث بها أجداده منذ ألف سنة، بينما العرب المحدثون يستطيعون فهم آداب لغتهم التي كتبت في الجاهلية قبل الإسلام ( عبد الكريم جرمانوس .. المستشرق المجري). ما جَهلَ الناسُ، ولا اختلفوا إلا لتركهم لسان العرب، وميلهم إلى لسان أرسطو طاليس. وقال أيضاً: لا يعلم من إيضاح جمل عِلْمِ الكتاب أحدُ، جَهِلَ سعة لسان العرب، وكثرة وجوهه، وجماع معانيه وتفوقها. ومن عَلِمَها، انتفت عنه الشُّبَه التي دخلت على جهل لسانها. المستشرق الفرنسي رينان: ” من أغرب المُدْهِشَات أن تنبت تلك اللغة القومية وتصل إلى درجة الكمال وسط الصحارى عند أمة من الرُّحل تلك اللغة التي فاقت أخواتها بكثرة مفرداتها ودقة معانيها، وحسب نظام مبانيها، ولم يُعْرَف لها في كل أطوار حياتها طفولة ولا شيخوخة ولا نكاد نعلم من شأنها إلا فتوحاتها وانتصاراتها التي لا تُبَارى، ولا نعرف شبيهاً بهذه اللغة التي ظهرت للباحثين كاملة من غير تدرج وبقيت حافظة لكيانها من كل شائبة ( الإمام الشافعي). اللغة العربية لاتضيق بالتكرار ،بخلاف لغات أخرى يتحول فيها التكرار ،بتلقائية محتومة إلى سخف مضحك .. ( الكاتب غازي عبد الرحمن القصيبي). تعلموا العربية، فإنها تثبت العقل، وتزيد في المروءة ( الشاعر أحمد شوقي). ما ذَلّت لغةُ شعبٍ إلا ذلّ، ولا انحطَّت إلا كان أمرُهُ فى ذهابٍ وإدبارٍ، ومن هذا يفرِضُ الأجنبيُّ المستعمرُ لغتَه فرضاً على الأمةِ المستعمَرَة، ويركبهم بها ويُشعرهم عَظَمَته فيها، ويَستَلحِقُهُم من ناحيتها، فيحكم عليهم أحكاماً ثلاثةً في عملٍ واحدٍ: أما الأولُ: فحبْسُ لغتهم فى لغتِهِ سِجناً مؤبداً. وأما الثاني: فالحكمُ على ماضيهم بالقتل محواً ونسياناً. وأما التالثُ: فتقييدُ مستقبلهم في الأغلالِ التي يصنعُها، فأمرهم من بعدِها لأمرِهِ تَبَعٌ. ” إن اللغة مظهر من مظاهر التاريخ. والتاريخ صفة الأمة، كيفما قلَّب أمر الله، من حيث اتصالها بتاريخ الأمة واتصال الأمة بها وجدتها الصفة الثابتة التي لا تزول إلا بزوال الجنسية وانسلاخ الأمة من تاريخها ( مصطفي صادق الرافعي). لغة حباها الله حرفا خالدًا فتضوعت عبقًا على الأكوانِ وتلألأت بالضاد تشمخ عزة وتسيل شهدًا في فم الأزمان ( الشاعر جاك شماس). تعلّموا العربية فإنها من دينكم، وأعربوا القرآن فإنه عربيّ ( عمر ابن الخطاب رضي الله عنه). إن للعربية لينًا ومرونةً يمكنانها من التكيف وفقًا لمقتضيات العصر ( وليم ورك). إن المثقفين العـــرب الذين لم يتقنوا لغتهم ليسوا ناقصي الثقافة فحسب , بل في رجولتهم نقص كبير و مهين أيضاً ( الكاتب الإيطالي كارلو نلينو). العبارة العربية كالعود ، إذا نقرت على أحد أوتاره رنت لديك جميع الأوتار وخفقت ، ثم تُحَرَّك اللغة في أعماق النفس من وراء حدود المعنى المباشر مَوْكباً من العواطف والصور ( وليم مرسيه الكاتب الفرنسي). وإنّما يعرف فضل القرآن مَنْ عرف كلام العرب، فعرف علم اللغة وعلم العربية، وعلم البيان، ونظر في أشعار العرب وخطبها ومقاولاتها في مواطن افتخارها، ورسائلها ( الفقيه ابن القيم الجوزية). كيف يستطيع الإنسان أن يُقاوم جمال هذه اللغة ومنطقها السليم، وسحرها الفريد ؟ فجيران العرب أنفسهم في البلدان التي فتحوها سقطوا صَرْعَى سحر تلك اللغة( زيفر هونكه المستشرقة الألمانية). اللغة العربية خير اللغات والألسنة، والإقبال على تفهمها من الديانة، ولو لم يكن للإحاطة بخصائصها والوقوف على مجاريها وتصاريفها والتبحّر في جلائلها وصغائرها إلا قوة اليقين في معرفة الإعجاز القرآني، وزيادة البصيرة في إثبات النبوة، الذي هو عمدة الأمر كله، لكفى بهما فضلاً يحسن أثره ويطيب في الدارين ثمره ( الثعالبي). إن اللغة العربية أسهل لغات العالم وأوضحها، فمن العبث إجهاد النفس في ابتكار طريقة جديدة لتسهيل السهل وتوضيح الواضح ( المستشرق البلجيكي جورج سارتون ). للغة العربية هي التي أدخلت في الغرب طريقة التعبير العلمي، والعربية من أنقى اللغات، فقد تفردت في طرق التعبير العلمي والفني ( لويس ماسينيون). عندما أوحى الله رسالته إلى رسوله محمد أنزلها “قرآناً عربياً” والله يقول لنبيّه “فإنما يسرناه بلسانك لتبشر به المتقين وتنذر به قوماً لدّاً”. وما من لغة تستطيع أن تطاول اللغة العربية في شرفها، فهي الوسيلة التي اختيرت لتحمل رسالة الله النهائية، وليست منزلتها الروحية هي وحدها التي تسمو بها على ما أودع الله في سائر اللغات من قوة وبيان، أما السعة فالأمر فيها واضح، ومن يتّبع جميع اللغات لا يجد فيها على ما سمعته لغة تضاهي اللغة العربية، ويُضاف جمال الصوت إلى ثروتها المدهشة في المترادفات. وتزيّن الدقة ووجازة التعبير لغة العرب، وتمتاز العربية بما ليس له ضريب من اليسر في استعمال المجاز، وإن ما بها من كنايات ومجازات واستعارات ليرفعها كثيراً فوق كل لغة بشرية أخرى، وللغة خصائص جمّة في الأسلوب والنحو ليس من المستطاع أن يكتشف له نظائر في أي لغة أخرى، وهي مع هذه السعة والكثرة أخصر اللغات في إيصال المعاني، وفي النقل إليها، يبيّن ذلك أن الصورة العربية لأيّ مثل أجنبيّ أقصر في جميع الحالات (جوستاف جرونيباوم ) إنما القرآن جنسية لغوية تجمع أطراف النسبة إلى العربية، فلا يزال أهله مستعربين به، متميزين بهذه الجنسية حقيقةً أو حكماً ( مصطفى صادق الرافعي). معلومٌ أنّ تعلمَ العربية وتعليمَ العربية فرضٌ على الكفاية، وكان السلف يؤدّبون أولادهم على اللحن، فنحن مأمورون أمرَ إيجابٍ أو أمرَ استحبابٍ أن نحفظ القانون العربي، ونُصلح الألسن المائلة عنه ، فيحفظ لنا طريقة فهم الكتاب والسنّة، والاقتداء بالعرب في خطابها، فلو تُرك الناس على لحنهم كان نقصاً وعيباً ( ابن تيمية). توصيات من أجل الحفاظ على اللغة العربية: ١:ضرورة الإهتمام الشديد بعلوم النحو والصرف في جميع مراحل التعليم وعقد مسابقات دورية للتشجيع على ذلك. ٢:ضرورة الإهتمام بالخط العربي الذي يعُد ركناً رئيساً من أركان اللغة. ٣: التدريب على التحدث باللغة العربية في معاملاتنا اليومية. ٤:إستخدام اللغة العربية الفصحى في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الإجتماعي، أفضل من التواصل بالعامية. ودائماً وأبداّ ......... سنحيا بالأمل في الله.......... سنحيا بالعلم ........ سنحيا بالتسامح ..... سنحيا بالإبتسامة الجميلة التي تعكس رضانا بقضاء الله وقدره. بقلم /أ:أحمد الجمال باحث في التاريخ الحديث والمعاصر. كاتب بعدة جرائد مصرية وعربية. مقدم التاريخ ببرامج الإذاعة المصرية.