أَنهَى اَلمُعلم دَرسَه عن البيئة والْمخاطر اَلتِي تُداهمهَا وَواجِب الإنْسان نَحْو الحفَاظ عليْهَا ,فَهِي الوعَاء اَلذِي يَحتَوِي الإنْسان. إِذَا فَسدَت فسد كُلُّ شَيْء ,واسْتحالتْ إِلى جحيم تَتَعذَّر فِيه الحيَاة, وانْطَلق صَالِح كعادَته يَعبَث بِكلِّ الأشْياء مِن حَولَه دُون أَدنَى مسْئوليَّة ضاربًا بِتوْجيهات مُعَلمَه عُرْض الحائط. يَغْتال الأزْهار بِدرَّاجته ,ويجْتثُّ الشُّجيْرات بِقسْوَته. ظانًّا أَنَّه تَارَة يَلهُو ويلْعب وَتارَة أُخرَى يُمهِّد اَلطرِيق. اِنطلَق صَالِح نَحْو بَيتِه بِأطْرَاف المدينة حَتَّى اِقترَب مِن سُور اَلمنْزِل ,وجَافَى درَّاجَته وَوثَب فَوْق السُّور وأخْذ يَتَطلَّع إِلى حَدِيقَة مَنزلِه اَلتِي جرَّدهَا مِن كُلِّ مَظاهِر البهْجة ,فَأَصبحَت عَرَاء يَضُم بَعْض آثار مِن الحيَاة ,وأخْذ يَقلِب بَصرُه يمينًا ويسارًا كَأنَّه يَبحَث عن شَيْء مَا يَرَاه بِعَين خَيالِه .. هِرَّة بَارِعة الجمَال تَلعَق فِراءَهَا بِلسانهَا ,ومَا لَبِث حَتَّى لَاحَت أمامه فِي مَرمَى بَصرِه فَقفَز مِن فَوْق السُّور إِلى دَاخِل الحديقة فَخْر على الأرْض دُون أن يُعير ذَلِك اِهْتمامًا ثُمَّ اِنتفَض واقفًا وَأخَذ يُزيل آثار اَلغُبار المتناثر فَوْق جَسدِه وَثوبِه ,وهرْول نَحْو اَلهِرة يَطلُبها لَيْس لِلَّعب وَلكِن لِيذيقهَا سُوء العذَاب ,فأمْسك بِهَا بَعْد مُنَاورَة مَكثَت دَقائِق مَعدُودة وأثْخنهَا ضَرْب حَتَّى فَلتَت مِن بَيْن مَخالِبه وَفرَت هَارِبة إِلى خَارِج اَلمنْزِل ,وخرجتْ أُمُّ صَالِح تَتبُّع الضَّوْضاء وَتَرتَّب اَلْفَوضى اَلتِي أحْدثَهَا صَالِح ثُمَّ اِسْتقْبلتْ صالحًا بِالتَّرْحاب وَمِن دُون أن تَقُوم سُلُوكَه اَلمُعوج ,فَهُو طِفْلهَا اَلوحِيد اَلمُدلل وَأَشارَت إِلَيه وقالتْ وَهِي تَلثِم خَدَّاه بِالْقبلات :
ـ هَيَّا أَسرَع وَخُذ حمَّامك وَنظَّف نَفسَك وأخْلد إِلى النَّوْم قليلا حَتَّى تَستَرِد عافيَتك وتسْتَعدُّ لِأداء واجباتك المدْرسيَّة . . . هَيَّا يَا صَالِح . . . هَيَّا .
قَالَت ذَلِك وتركَتْه ودخلتْ إِلى المطْبخ تُنْهِي بَعْض شُئونِهَا ,وكعادته صَالِح لَم يَكتَرِث لِكلام أُمِّه فَآوَى إِلى فِراشه مُبَاشرَة بَعْد أن أَعيَاه الإرْهاق وَهُو يُردِّد :
ـ الدَّرَّاجة . . . اَلهِرة . . . البيئة . . . اَلمُعلم . .
حَتَّى غَلبَه النُّعَاس فغطَّ فِي نَوْم عميق ,وَرأَى نَفسَه فِي المنَام يَستيْقِظ على صَوْت مُزْعِج أَقلَق راحته ,فَوثَب مِن فَوْق فِراشه يَبحَث عن مَصدَر الصَّوْتِ فَوجَد ثَلَاث فِئْرَان يَأكُلون قَوائِم سَريرِه فحاول عبثا أن يَقضِي عَليهِم ,وَلَكنَّه لَم يَستَطِع إِلى ذَلِك سبيلا حَتَّى خَارَت قُوَاه واسْتلْقى على الأرْض مِن فَرْط التَّعب ونهْج وتتابع نَفسُه وَهُو يَتَأوَّه :
ـ آه . . . آه . . . جُرْذان حَقِيرَة تقْهرني . . . مَاذَا دَهَاك يَا صَالِح ؟
وأخْذ صَالِح يُقَاوِم التَّعب وَيقِف مِن جديد فِي مُحَاولَة مِنْه فِي القضَاء على الجرْذان اَلتِي أَتلَفت سَرِيرَه ,وأمْسك صَالِح بِطَرف جائشه وأخْذ يَضرِب الجرْذان بِرَأس جائشه ضَرَبات مُتتالية وَلَكنهَا جميعَهَا فِي اَلْهَواء لَم تَصُب الجرْذان وَاحِدة مِنهَا بل سَاعَد الجرْذان فِي نَشْر اَلْفَوضى فِي غُرْفته ,وَتَعاطَت معه الجرْذان وَكَأنهَا تَلعَب معه كر وَفَّر حَتَّى سقط مَرَّة ثَانِية على الأرْض لَا يَستطِيع أن يُحرِّك ساكنًا ,وَدنَت مِنْه القوارض الثَّلاثة وَهِي تحرُّكً لِسانَهَا كأنَّهَا تَشتَهِي طعامًا لَذيذًا ,وباغتتْهم اَلهِرة وتناولتْهم الثَّلاثة أَطعِمة شهيًّا بِكلِّ سُهُولَة وَيُسر ,وَكَان صَالِح يُتابعهَا وَهُو مُسْتلْق على الأرْض وبعْد أن فَرغَت جِثي على رُكْبتَيْه وَطَوقهَا بِذراعيْه ومسْح على فِرائِهَا وَقَال حانيًا :
ـ مِن الآن ستأْمنين بُوَائقِي لَن أَتعَرض لَك بِسوء قِطٍّ .
ورمقَتْه اَلهِرة وَهِي بَيْن ذِراعَيْه بِنظرَات حَادَّة وَهِي تَستخْدِم مُوَاءهَا لِلتَّواصل معه :
ـ لِكلِّ كَائِن وَظِيفَة فِي هَذِه الحيَاة إِذَا اِسْتضْعف بَعضُها البعْض أو أَهمَلت الوظائف عمَّ الفسَاد .
فَتَبسَّم صَالِح ضَاحِكا ثُمَّ قال :
ـ صَدقَت
وَتَذكَّر كَلمَة مُعَلمَه عن البيئة والْمخاطر اَلتِي تُهَددهَا ,فالطَّبيعة اَلتِي برَّأهَا الخالق ذَاتِية التَّطْهير بِهَا تَوازُن عجيب يُحَافِظ على بَقَاء مُكوِّناتهَا بِنسبِهَا الطَّبيعيَّة دُون زِيادة أو نَقْص ,وَمِن ثمَّ اِنتبَه صَالِح ثُمَّ وجم هَنيَّهة وَحدَّق فِي اَلهِرة :
ـ أُووُووو أَنْت تتكلَّمين.
ثُمَّ اِسْتطْرد قائلا :
ـ أو رُبمَا عَلمَت منْطقك.
فَأَومأَت اَلهِرة إِلَيه بِحركة مِن رأْسهَا اِنخِفاض وارْتفاع وَانفرجَت شَفَتاهَا عن اِبْتسامة عَرِيضَة :
ـ نعم أَنْت الآن فِي عَالَم تُدْرِك فِيه المحَالُّ .
ثُمَّ أَردَفت قَائِلة :
ـ الآن بِوسْعك أن تُحَدثنِي وأحدِّثك وَبوسْعِي الآن . .
لَم تُكْمِل حَيْث أَمهَلت نَفسُها لَحَظات تَضخمَت فِيهَا وصارتْ عِمْلاقة وَبدَا صَالِح قزْمًا لَا يَرقَى إِلى مُستَوَى قَدَميهَا الأماميَّتيْنِ ,ثُمَّ اِسْتأْنفتْ حديثَهَا وقالتْ :
ـ الآن بِوسْعي أن أَنتَقم مِنْك.
وعبستْ فِي وَجهِه وكشفتْ عن أنْيابهَا وأثْنتْ رأْسهَا وتقهْقر صَالِح لِلْخلْف وَتَملكَه الفزع والرُّعْب ,ثُمَّ عَادَت اَلهِرة إِلى سِيرتِهَا اَلأُولى وَهِي تَقُول :
ـ ولكنِّي لَن أَفعَل فَأنَا بِطبيعتي مُسْتأْنسة صَدِيقَة وَرَفيقَة.
تَنفُّس صَالِح الصُّعداء وصاحبته اَلهِرة إِلى الحديقة وَهِي تُسْدِي لَه النَّصائح . . عليْه أن يَصلُح مَا أَفسَده . . هَيَّا يَا صَالِح أعدَّ لِلْحديقة روْنقَهَا وجمالهَا فَهِي رِئة الطَّبيعة مِن خِلالِهَا تَستطِيع أن تَتَنفَّس. لَا تُهْدِر عطاءَات الخالق أَحسَن تناولهَا اِغْرِس شَجرَة وَأمِط الأذى عن اَلطرِيق . . هَيَّا أَسرَع يَا صَالِح قَبْل فَوَات اَلْأَوان ,وَذرنِي أنل قِسْطًا مِن الرَّاحة بِالدَّاخل ,وعنْدَمَا تَفرغ أخْبرَني حَتَّى أُشَاهِد جميل مُصَنوعَك . . هَيَّا يَا صَالِح . . هَيَّا . . ,وتثاءبتْ اَلهِرة ولثمتْ فَمهَا بِقدمِهَا اَليُسرى ثُمَّ عَمدَت إِلى الرَّاحة بِالدَّاخل .
وَقْف صَالِح مليًّا يَتَأمَّل أَثَار أَنامِله اَلتِي عَبثَت بِالْحديقة وَسَوتهَا بِالْأَرْض ,ويوْم طاف بِهَا وَجعلِها كالْصريم . . رُبمَا هِي هَكذَا أَجمَل أَستطِيع أن أُمَارِس بِهَا رِياضَتي المفضَّلة. بِوسْعي أن أَقُود بِهَا درَّاجَتي ,ثُمَّ أصابَتْه رَجفَة مِن شِدَّة البرودة فَتَحسَّس صَدرُه . . . أَيْن مِعطَفي ؟ اَلجَو بَارِد وَتَذكَّر أَنَّه بِغرْفَته وَهُم بِإحْضاره وَلَكنَّه رجع كُرَة أُخرَى وَهُو يَحدُث نَفسَه :
ـ اَلهِرة بِالدَّاخل.
فَهُو وعى جيِّدًا أنَّ الحديقة رُبمَا تَدرَأ عَنْه خطرًا رُبمَا يُلْحِق بِه مُسْتقْبلا كَخطَر الجرْذان ,فَشمَّر عن ساعدَيْه وأمْسك بِالْفَأْس وَأَراد أن يَغرِس شلايَا الشَّجر فِي مواضعهَا القديمة كمَا كَانَت فِي السَّابق. أَرَاد أن يَحيَا مُوَات الحديقة ويبْعث فِيهَا الرُّوح مِن جديد على سبيل الزِّينة والْمتْعة لَيْس أَكثَر ,وإرْضَاء لِلْهرَّة اَلتِي أنْقذَتْه مِن بَراثِن الجرْذان ,وَلكِن بُرُودَة اَلجَو زَادَت مِن رَجفَتِه فسقطتْ الفأْس مِن يَدِه ,وومضتْ بِمخيِّلة صَالِح فِكْرَة أَدَارهَا فَأخَذ يُضْرِم النَّار بِالْحَطب حَتَّى أَوقَده فَتَولدَت حَرارَة أزالتْ شَيْء مَن أَثَار البرودة وَقُرب صَالِح كفَّيْه مِن النَّار يَستَمِد مِنهَا اَلدفِيء وَهُو يُردِّد فِي نَشوَة وارْتياح :
ـ الآن بِوسْعي أن أَستخْدِم الفأْس فِي غَرْس شلايَا الشَّجر.
ثُمَّ أَردَف قائلا :
ـ الآن فقط أُبَاشِر مُهمتِي على أَكمَل وَجْه .. الآن أُصْلِح مَا أَفسَدت.
وَتَناوَل صَالِح الفأْس ونبْش بِه التُّرْبة ثُمَّ غَرْس اَلشلِية وَأَراق فوْقهَا اَلْماء حَتَّى ثَبتَت بِالْأَرْض ,واسْتَمرَّ هَكذَا يَغرِس شلايَا الشَّجر بِالتُّرْبة ويثْبتهَا بِالْمَاء وَكُلمَا شعر بِالْبَرْد هَروِل إِلى النَّار لِيسْتَمدَّ مِنهَا اَلدفِيء وَكُلمَا كَادَت أن تخب جَذوَة النَّار أشْعلَهَا بِالْموادِّ الملْتهبة حَتَّى بد لِسَان اللَّهب يَرتَفِع فِي شَكْل مَخرُوطي قاعدَته لِأعْلى مَصبُوغ بِاللَّوْن الأسْود القاتم ويتمَدَّد ويتضَخَّم ويكْتَسب مَلامِح وَحْش مُرْعِب ومخيف يُغطِّي ظِلُّه الحديقة ,وأخْذ صَالِح يَرتَعِد وتملُّكه الرُّعْب والْفَزع . . مَا هذَا ؟ ,وحاول عبثًا أن يُخْمِد النَّار بِالتُّراب وَلَكنَّه لَم يَستَطِع إِلى ذَلِك سبيلا ,وَشعَر صَالِح بِضيق فِي صَدرِه واخْتناق شديد ففرَّ مُبْتعِدًا عن اللَّهب المتضخِّم وَلكِن اللَّهب المتضخِّم أَصبَح شبحًا يُلاحِقه فِي كُلِّ مَكَان ,واخْتَبأ صَالِح خَلْف شِلْيَة مِن الشَّلايَا اَلتِي غَرسُها وَالتِي بَدأَت تَنمُو بِبطْء شديد فَشعَر خلْفهَا بِراحة وَعَاد نَفسَه يَنتَظِم بِشَكل طَبيعِي ,وَأخَذ صَالِح يَنقَبِض فِي نَفسِه ويتقَزَّم حَتَّى لَا يَرَاه اللَّهب المتضخِّم ,وَتَفاجَأ بِأنَّ اللَّهب المتضخِّم يَمُر مِن أَمامِه ولَا يَرَاه وَكأَن اَلشلِية حَجبَت الرُّؤْية عَنْه تمامًا فَتَبسَّم ضاحكًا وَقَال حامدًا :
ـ الحمْد لِلَّه . . . نجوْتُ بِفضْلِهَا .
وأوْمأ إِلى الشَّليَّة بِسبَّابته وضمِّهَا إِلَيه واسْتَقرَّ فِي وِجْدانه أنَّ كُلَّ شَيْء خَلقَه اَللَّه فِي هذَا الكوْن بِقَدر وَظفَه اَللَّه فِي خِدْمَة البشر فازْدَاد يقينه بِأهمِّيَّة الحديقة وأنَّهَا غَيْر قَاصِرة على أَنهَا مَنظَر مُمْتِع يَدخُل السُّرور إِلى النَّفْس وَحسَب وَلَكنهَا تَمدُّه بِالْأكْسجين اَلذِي لَا يَستطِيع أن يَحيَا بِدونه وَفِي ذات الوقْتِ تَمتَص الغازات الضَّارَّة ,فهرْول صَالِح بِحماس مُنْقَطِع اَلنظِير وغرْس كُلِّ الشَّلايَا فِي صُفُوف مُنتظمَة وَمهَّد بيْنهَا مَمَرات لِلْمسِير والتَّنزُّه وَعكَف يرْويهَا بِالْمَاء حَتَّى نمتْ ,وَفِي هَذِه الأثْناء وَهْن اللَّهب المتضخِّم وتقلُّص حَتَّى اِبْتلَعه التُّرَاب .
وَقْف صَالِح يَرمُق الحديقة بِنظرَات حَانِية وَيرَى بِعَين خَيالِه الدَّمَار اَلذِي أَحدَثه بِهَا فِي السَّابق وَهذَا الشَّبح اَلذِي كان يُلاحِقه مُنْذ قليل وأطْرق قليلا ثُمَّ أخذ يُنَاجِي نَفسَه :
ـ بِوسْعِنَا أن نَجعَل كوْكبنَا جَنَّة نَأوِي إِليْهَا ونتحَصَّن بِهَا. بِوسْعِنَا أن نجْعله كالنُّور اَلذِي يَنبَثِق مِن الفجْر ويسْتَمرُّ حَتَّى طُلُوع الشَّمْس خاليًا مِن مُسببَات الأمْراض مَاؤُه غَيْر آسن ,وَفِي هَذِه الأثْناء تَناهَى إِلى أُذُن صَالِح صَوْت أُمِّه تَنادِيه لِتناول وَجبَة الغدَاء فأجابهَا :
ـ أُمَّاه . . الجنَّة . . الجنَّة . . اُنْظُري مَا صَنعَت يَدِي.
واسْتمرَّتْ اَلأُم تُنَادِي عَلِي صَالِح ومَا زال صَالِح يَغِط فِي النَّوْم حَتَّى أَقبَلت عليْه وأخذتْ تَهزُّه بِيدهَا فاسْتيْقظ وَهُو لَم يَفتُر يُردِّد :
ـ أُمَّاه . . . الجنَّة . . . الجنَّة . . . اُنْظُري مَا صَنعَت يَدِي.
ثُمَّ اِنتبَه وغادر فِراشه وَخرَج يَبحَث عن اَلهِرة فِي كُلِّ غُرَف البيْتِ وَفِي المطْبخ وَأُمه تتأمَّله فِي ذُهُول . . مَا اَلذِي أصابه ؟ مِن قِبل كان يُعَذبهَا ويطْردهَا والْآن يَبحَث عَنهَا ,وهرْول صَالِح كالْمجْنون يَتَفقَّد اَلهِرة وَهُو يَصرُخ مُنَاد عليْهَا :
ـ أَيْن أَنْت يَا جميلَتي ؟ أَيْن أَنْت يَا هِرَّتي ؟
حَتَّى وجدهَا تَرقُد بِجوار جَذوَة مِن النَّار بِأَحد أَركَان الحديقة فَأهال على الجذْوة التُّرَاب وأطْفأهَا وَتَناوَل اَلقِطة بَيْن ذِراعَيْه وأخْذ يَمسَح فِراءَهَا بِيديْه ,وَولَج بِهَا إِلى دَاخِل البيْتِ وكانتْ أُمُّه تَحضُر طَعَام الغدَاء فَأَقبلَت وَفِي يَدهَا طَبَّق اللَّحْم اَلمشْوِي فَخطَف صَالِح مِنْه قِطْعَة لَحْم وأطْعمهَا لِلْهرَّة وَتَعجبَت أُمَّة مِن صَنِيعَه ولم تَعقُب ,واسْتأْنفتْ عملهَا فِي تَحضِير الغدَاء وأسْرع صَالِح فِي مُساعدتهَا فوضْع اَلهِرة على مَقعَدِه على المائدة وأحْضر مع أُمِّه الطَّعَام وَتَجاذَبا اَلحدِيث معًا أَثنَاء تحْضيرهمَا لِلطَّعَام فَقَال صَالِح لِأمِّه هامسًا :
ـ أُمَّاه لَا تُعْجبِين فَهذِه اَلهِرة أرْشدتْني إِلى اَلطرِيق.
اَلأُم مُتَعجبَة :
ـ أيُّ طريق ؟
صَالِح مُوضَّحا :
ـ طريق الفرْدوْس.
ثُمَّ أَردَف قائلا :
ـ سنعيد كوْكبَنَا إِلى سِيرته اَلأُولى جَنَّة آدم سنخلِّي سَبِيلَه وَنفُك وِثاقه مِن كَافَّة تعدِّياتنَا عليْه سَنعُود إِلَيه يحْتضننَا ونحْتضنه. كَوكَب خالٍ مِن الآفَات. كَوكَب نَنعَم فِيه مِن غَيْر نُصْب. تَبسمَت اَلأُم ضَاحِكة ثُمَّ قَالَت :
ـ اِبْدأ بِنفْسك أوَّلا.
فانْفرجتْ شَفتَا صَالِح عن اِبْتسامة عَرِيضَة ثُمَّ قال :
ـ سأبْدأ بِالْحديقة.
قال ذَلِك ثُمَّ هَروِل نَحْو الحديقة وَأُمه تُرافِقه ثُمَّ تَناوُل الفأْس وَرفعِه لِأعْلى ثمَّ هوى بِه على الأرْض وَهُو يَقُول بِعَزم وَقوَّة :
ـ بِسْم اَللَّه كَونِي فِرْدوْسًا .
تمت