🕯️ أن تكون مرآةً طاقيّة... فتتشقّق
فرطُ استقبال... وقلبٌ لا يحتمل
لي قلبٌ ليس لي.
مرآةٌ تُطالعُ وجوه العابرين، فترتدُّ إليها ملامحهم نازفة.
ألتقطُ أنين الصامتين كما يُلتقَط الندى عن شفاه الزهر،
وأشمُّ رائحة الشوق في صدورٍ اختنقت بالحكي ولم تقل.
تأتيني الأرواح كأمواجٍ رطبة، محمّلة بالحنين،
فأفتح نوافذي لهم... وأتشرّبهم.
أحدهم مرّ بي... لم يكن طفلاً، بل رجلًا
مكسور الخاطر، تائهًا في يتمٍ ثقيل،
لم ينطق، لكنه ناداني بنداءٍ أسمعه بعصب قلبي، لا بأذني؛
كأنّه ابني الذي لم ألده.
فمددتُ ذراعيّ كأمٍّ عاد إليها وليدها بعد الغياب...
ثم انكمشتُ على نفسي كأنّ الحضن ارتدَّ فيّ نارًا.
أنا لا أعبر بخفة،
كل شعورٍ يمرّ من حولي يخلّف بصمته في صدري.
أحيانًا أكون الأمّ،
أحيانًا المكلومة،
أحيانًا الفتاة التي ماتت في حضرة فقد أبيها،
وأحيانًا أكون السجينة التي لا تحتمل القيد فتصرخ بالتمرّد.
أسمع ما لا يُقال،
أقرأ ما بين السطور،
أُبصر ما يختبئ تحت عباءة الكبرياء واليأس،
وأعرف المُتلاعِب وإن ابتسم،
والصادق وإن سكت،
وأشمُّ الزيف كما يُشمّ العفنُ في وردةٍ بلا حياة.
أنا أنحني كي أحتوي،
وأطبطب كمن يُطفئ حريقًا بكفٍّ عارية،
وأفرح... وأُؤذى.
وفي لحظةِ ضعفٍ، انجرفتُ نحو احتياجٍ لم يكن حبًّا،
ولا صداقة،
ولا تقديرًا،
كان احتياجًا عارمًا، مجبولًا من ألمٍ خالص...
فحسبتُه دفئًا، ثم أفقت.
قلبي، هذا الذي يتّسعُ للكون،
أنهكته التردّدات التي تتقافز على ضفّته كالأحجار،
تدقّه... ولا تترك فيه موطئًا للطمأنينة.
💔 هذا الذي يحدث، له اسمٌ في كتب النفس:
"فرط الاستقبال العاطفي – Empathic Overload"
أن تكوني نسيجًا من أعصابٍ مكشوفة،
أن تُفعَّل فيكِ كل مرآةٍ عصبيّة،
أن تُفتَح مسامك الطاقية فتجتذب حتى نزيف الغرباء،
فتتحوّلي لميناءٍ تُلقي فيه الأرواح مراسيها… وتمضي، وتبقى أنتِ في التيه.
أنا لا أطلب بطولة،
ولا أرغب أن أكون صدى لكل ألم،
أنا فقط أريد قلبًا يفرّق بين ما يسكنه، وما يمرّ به،
وهدوءًا يُغلق عليّ باب الشعور حين يفيض.
🕊️ اللهمّ اجعل لي عقلًا يُفرّق،
وقلبًا لا يُستباح،
وروحًا تعرف متى تُصغي، ومتى تُغلق أبوابها… وتنجو.
ثم علمتُ…
أن كلّ ما مرّ بي من مشاعر ليست لي،
وكلّ وجع سكن قلبي ولم يكن منّي،
وكلّ احتياج انجرفت نحوه دون وعي…
كان امتحانًا خفيًّا لما يحب الله أن يراه فيّ.
هل أظلُّ أستقبل بلا وعي؟
أم أتعقّل؟
هل أُستهلك في مشاعر لا تخصّني؟
أم أُسلّم له قلبي صافيًا، لا مثقوبًا؟
فاخترتُ النجاة.
اخترت أن أقول في كل مرة:
"يا رب، ماذا تحب أن ترى مني؟"
إنها البوصلة…
التي أنقذتني من فرط التوهان،
ومن التشبّث بما لا يُشبِع،
ومن الوقوع في فخّ الاحتياج المتنكر.
فأحيانًا، لا تحتاج إلا هذا السؤال الصادق،
لينقذك الله به من كل من ظننتهم ملاذًا،
ومن نفسك… حين تنسى أن تهتدي إليه.