يا رب، كم تعبنا من التزييف، ومن
محاولة إقناع أنفسنا بأن البقاء في أماكن لا تُشبهنا نوعٌ من النضج! كم مرةٍ سمّينا الخوفَ استقرارًا، والعجزَ حكمة، والجمودَ اتزانًا!
نرتّب جدران القيد كل صباح، ونعلّق على أبواب الخيبة لافتةً كتبنا عليها: "رضًا بالقَدَر".
يا رب، إننا لم نُخلق لنسكن في زوايا ضيقةٍ من الحياة، ولا لنُخمد أرواحنا إرضاءً لِمَن اعتاد الصمت. علّمونا أن الثباتَ فضيلة، حتى ظننا أن التبدّلَ خيانة، وأن الشجاعةَ خطأ. فبقينا بين الخوف والتظاهر، نُطفئ أنفسنا بأيدينا ونقول: “هكذا أراد الله”، بينما الله لا يريد الزيف، ولا يبارك من يخون صوته.
أيُّ اتزانٍ هذا الذي يذبل فيه القلب باسم الحكمة؟ وأيُّ رضا هذا الذي يُطفئ النور باسم الصبر؟ الرضا الحقّ ليس خضوعًا، بل سلامُ من عرف متى يمضي، ومتى يهدم، ومتى يبدأ من جديد. الهدمُ يا رب، حين يكون لأجلك، ليس فناءً بل بعثًا، وليس خسرانًا بل نجاة.
علّمنا أن الحياة لا تُقاس بالثبات، بل بصدق التحوّل. وأن النقص الذي يفتحنا إليك نعمة، أما النقص الذي يُميت فينا الحلمَ فخذلان.
علّمنا أن المرونة ليست ضعفًا، بل نضجُ مَن فهم أن الكون لا يسكن لحظة، وأن في الحركة عبادتك الخفية.
يا رب، لسنا نطلب حياةً مثالية، بل حياةً تُشبهنا. نريد أن نحيا على مقاس أرواحنا، لا على مقاس الصورة التي يُحبها الناس. نريد أن نراك في وجعنا كما نراك في بهجتنا، وأن نفهم أن كل ما يُطفئنا لا يُرضيك.
فاجعلنا من الذين اختاروا الحقيقةَ على الأمان، والصدقَ على السكون، ومن الذين ساروا نحوك ولو وحيدين، لأنك وحدك النور الذي لا يَخبو، والوجهُ الذي لا يتبدّل، والموطنُ الذي لا يُنفى منه القلب أبدًا.
22/10