كان طريق العودة شاقًا حيث مازال الضباب ولم يخف ولو قليلًا و"عواطف" كان هائمًا يسير كما لو كان جسدًا بلا روح، شاردًا مبحلقًا زاهدًا فيما سيأتي ناسيًا ما قد مضى، يقلب الأحداث الأخيرة في مخيخه، ما هذا الذي شهده في بيت الخفافيش وما قد لحق بالأوغاد المساكين؟ ثم واتاه خاطر، أيعقل ان يكون غضبه وحقده تجاههما بسبب اعطائه ما تبقى من الحساب في صورة لبان وبسكويت قد تحول إلى طاقة سوداء مظلمة قوية فحت تسببت في اللعنة التي اصابتهما ؟ بالطبع لا! هذا تهريج وخرافات وكلام غير علمي او أدبي بالمرة! نفض "عواطف" تلك الأفكار الخزعبلية من عقله النور المفتح وحاول التركيز في الطريق حتى يصل إلى الكشك. أخيرًا لاح في الأفق "كانزات رقيقة" وقد بدى ل"عواطف" أن الدهر قد فات. خطى داخل الكشك واخذ وضعه في انتظار ظهور الزبائن. في الحقيقة انتظر "عواطف" أي شخص ليحكي له الأهوال التي شهدها، كان الحمل ثقيلًا على صدره وشعر بقرب كرشة نفس ان لم يتحدث ببعض ما رآه ولم يبحث عن مجرد زبون يشتري غرضًا ويمضي في طريقه.
-يا ترى في حد ممكن يظهر في الشبورة اللعينة والظلام الحالك ده انا بدأت اتوجس خيفة من الشبوره المستمرة وحاسس ان في سبب لاورائي وراها.
جافاه النوم وظلت عيناه محملقة ٢٤ قيراط برغم الإرهاق الذي اعتلاه. بقى الحال على وضعه ساعة كاملة حتى ظهر احدهم يتبختر من بعيد.
كان "عواطف" مستلقيًا على المقعد الخشبي بجانب الكشك ثم لمح الغريب القادم بطرف عينه الحويطه فقام منتفضًا يستعد لاستقباله وهو يعقد النية على استبقائه حتى يحكي معه ويكسر دائرة الملل والذعر الذي بدأ يصيبه بسبب الأحداث والضباب المستمر الذي لف شوارع العاصمة كلها ثم تذكر أمرًا، لم يفترض ان القادم "ليس من ضمن الظواهر المريبه الخارقة للطبيعة التي تحدث مؤخرًا"؟ ففي النهاية من يكون هذا الشجاع الذي يجوب الشوارع المرعبة ليلًا وحده ولم يتجرأ غيره على التجول؟ لم يكن هناك أحد سواه و"عواطف عفاف المنياوي".....
فات الأوان، أدرك "عواطف" الأمر وهو واقفًا ينظر إلى الغريب الذي إقترب بخطى ثابتة رزينة مما زاد من غموضه وأكد شكوك "عواطف" الذي إنتصب شعر يده وأذنه.
ظل يتقدم حتى كان على مقربة شديدة من "عواطف"، لم يتحدث بل رمق الواقف بنظرات متفحصة ثم قال:
-العواف!
-الع...واف..عليك يا سعات البيه.
-مريبه أي الشبورة ديه.
-اللي تشوفه حضرتك..
-ممكن تلهم الواحد يألف حكاوي كتير
-يألف؟ هو حضرتك بتشتغل إيه؟ وياترى أنت إنس ولا جن ولا إيه ولا زي الملايكه ولا فيك مالبشر ولا حاجة ف ملامحك تشبه القمر؟
-انا كاتب!
إنتفض "عواطف" وشعر أن الأمور قد أخذت منحى أكثر إثارة فهذا بالفعل هو التفسير الوحيد لجرعة الشقاوة التي دفعت بالغريب التجول في هذه الأجواء الماورائيه...
-واللي يقولك على حكاوي حقيقية مش من الخيال ولا أولاد أفكاري؟
-إحكي يا شهرزاد....