أتبعه نيزك، فخرج بصحبته بعد أن ثقبه، متمردا على القبو يطالب بخلعي!
لعقود!.. كنت أبتلع الصدى من الجدران!
فيمر في جوفي آمنا دون خوار، يقتات صوتي، يمزق حباله ويجدد أختام المواثيق..
ثم يبصم المسام مرتين قبل الموت وبعده، ويمليني بنود الصمم:
بند أول:
يلتزم الساكن بغلغلة القبو، وتعميق خنادقه واشتباك دهاليزه.
بند ثاني:
غير مسموح بإقامة أنشطة مغايرة للسكون، باستثناء حياكة المعاطف والعباءات، وتعليم فسيلوجيا الاجترار!
بند ثالث:
مسموح بطلاء الأسقف بألوان الغيوم على أن تكون عاقرا، لا تنجب المطر ولا تجاور النجوم أو الطيور!
بند رابع:
مخالفة أحد البنود أو كلها تعد إخلالا بالعقد، يتسبب في الطرد من العدم!
تمنيت أن استعيد صوتي لثوان، لأناديه، وأستبقيه وأنا أراه يتسرب من أقطاري!
أردت أن أسأله إن كان سيعود ليطفئ الألم الناهش في الضلوع، فلم أستطع سوى أن *ألوح* له!
ظل راكضا في اتجاه الهواء، ولم يلتفت للوراء!
لكنه نزف شريانه أخيرا، في مجرى نهر مهاجر!
احتفت الصخور بالوصية، و ذاعت بها لأسمعها:
(إن توهج نبضي وصوتك يتلو:(لا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)..حينها ربما توقفت عن معاندة السؤال! )
تلك كانت الوصية، كتبها الدم قبل أن يجف!
لا سبيل للتلاوة دون صوتي..
والألم يعتصر ما تبقى من بحة!
أوصاني حكيم أن أتوقف عن بتر الصبارة المتطفلة في صحراء الفناء!
- قد تساعدك في استعادة صوتك!
(قالها بتفاؤل!)
-لكنها تؤوي الشياطين، تبث فيهم الشوك وارتشاف ماتبقى من ندى، فيزفروا سمومهم لهبا وجورا في مهب الريح!
(أشرت بها للحكيم معاتبة!)
-العيب في مرآتك! إنها لا تؤوي سوى الطيور، تحميهم من قفار الصحراء، ان شئت تعلمت منهم منطق الطير!
-لا أفقه لغة فريد الدين لأقرأ منطق الطير، وليس لي من علم داوود وسليمان إلا التمني، ولا سلطان لي على الهدهد ليهديني النبأ اليقين! فأنى لي بمنطق الطير؟!!
-في منطق الطير لغات شتى، قد تكون أبجدية حمام *تطوع* لغرس أغصان زيتون، أو لهجة لصية لطائر هاربي تتهجى اختلاس السكينة، مستوطنة بهو الوهم، وتتغذى على عمى فينوس!
أو ربما هي مقامات بلابل، لا تملك سوى الشدو والأجنحة، وتمتنع عن ابتلاع الصدى!
السر في المرآة!
(قالها الحكيم بثقة)
مهما اجتاحني الألم، وهاجمني الخواء!
لن أعاود سؤاله -قلبي- إن كان سيعود؟ فهو الذي يعاند نبض السؤال!
سألفظ الصدى وإفنائه، سأقتص مشاهد الهزل والتغييب في مسارح للوهم اتسعت للجميع
ولا سلطان لي إلا على مرآتي لأجليها، وصوتي لأستعيده..
ربما استطعت إدراك مقامات الأجنحة والتلاوة!
ٰ