قد يصير الكذب سلوك ومنهج حياة لبعض الناس, حتى إذا أراد أن يصدق في حديث ما, غلبه طبعه, وأبى عليه ذلك, وصار إلى ما تعود عليه من كذب وادعاء, فلا تطاوعه نفسه في خيانتها من قول الصدق, فيحاول أن يتخلى عن عادته القبيحة يوما بعد يوم فلا تنقاد له, ويظل هكذا وفيا لعادته التي اعتادها, فلا إردة له على مجابهتها, والخلاص منها, فالعادة غالبا قوية في أسر النفوس وخضوعها إلى درجة أنها مع الوقت, ومرور الأيام تتحول من عادة إلى عبادة, لها طقوسها وشعائرها, فإن هو تركها, فكأنه يتخلى عن عقيدة ودين, وكثير من العادات, ما تكون هكذا لدى الناس, فأهون عليه الموت, من أن يتخلى عن تلك العادة, فهي حياة بالنسبة له, إن فارقته أصبحت حياته بلا معنى, حتى ولو كانت صفات قبيحة مرزولة.
إن الكذب ظاهرة منتشرة في أغلب طبقات الناس, وإن أختلفت في حدتها وتوسيع رقعتها أودرجتها, ففي الناس من يخدع نفسه, ومنهم كثير من العلية, قد يلجأ إليه ويتعامل به, في علاقاته ومعاملاته.
ومن أهل المنطق من يستخدمه للي عنق الحقائق, وإظهارها بمظهر الباطل, وألباس الباطل زي الحق, وإن لديهم القدرة على إثبات ذلك وزعزعته في نفوس كثير من الناس, فهم يسعون جاهدين, تغرهم معرفتهم, وحسن قولهم على تبدل النفوس, وايتصاغتها لم يلقى عليها, فالأهواء والرغائب تجعل الكثير يميل مع مجارة الباطل, الذي يبدو عليه, ولو مسحة من منطق معقول, يحلل لهم ما يبطن في نفوسهم, ويحقق رغائبهم دون ملام من أحد أو مؤاخذة.