في المساء, رسم قلبه على ورقة بيضاء سهولة الحياة, أراد أن يحمل عن أمه عبأ يوم, يعطيها ما يسُد به رمقها, أن يحمل فوق عاتقه شقاء ذلك اليوم, تحدث وأصحابه الصغار,عن الرجولة والتعب, وأن يشقى في تحصيل رزقه, تذكر أمه, حين تخرج بعد الفجر إلى السوق لتأتي بالخضار, الذي تبيعه, أتفق أن يذهب إلى العمل مع الأنفار في الصباح, حدثه خياله, بأن صار رجلا, كان في الثانية عشرة من عمره, إن كتفه كتف رجل, ويديه كبيرتان, من الممكن أن تحمل فأسا, لتحرث الأرض, أن ظهره من الممكن أن ينثني طوال النهار بلا تعب, كي يأتي بالرزق له ولأمه, داعبته الأحلام في نومه, كان بطلا صغيرا, يريد يحمل الكَل, ويكسب من عرق جبينه, عندما خرج في الصباح الباكر, صارت قدميه القويتين تضرب الأرض بقوة, أو خيل له ذلك وذراعه تحمل غذاءه, قطعة صغيرة من جبن قديم, ثلاثة أرغفة وبصلة, اجتمع الفتيان الصغار, وسلكوا الطريق, بعد أن وزعهم الخولي إلى الأرض المقصودة, كان على رأسها رجلا ضخما, يركب حصانه, يرتدي نظارة سوداء, وجلبابا فضفاض, وعلى رأسه شد, يقيه من حرارة الشمس, وفي يديه عصا طويلة, قال :لعله يضرب بها حصانه, أو يواجهها بها. ركب كل منا خطه, وبدأ العمل, كانت المرة الأولى له, أخطأ في طريقة جمعه للثمار, سقط عصا الجبروت على ظهره الصغير, أرعبه الموقف, أقسم ليذهب, ولكن الأمر صار على غير ما يريد, سقطت عصا الرجل مرات, بكى ولكن لم يُسمع لبكائه, كان البكاء يثير حفيظة الرجل, ليضرب بأقوى ما فيه, كان يعمل بيد, ويتلقى الضربات بيده الأخرى, كي لا تؤلمه على جسده الطري, كان لا يرى أمامه من كثرة بكائه, فيُخطأ فينتقم الرجل بضرباته دون أن يرتكب الصغير ذنبا, كل ما في الأمر إنها المرة الأولى, التي يخرج فيها للعمل, ليس لديه خبرة, بتلك الأعمال, وما بين العصا والصفعات, تحطمت كرامته, حاول أن يلملم بعضها, لكنه لم يستطيع, كان فرس الرجل الضخم يدب بحوافره عليها, يضويها بقوته, وفي أخر النهار, بعد صراع مع السلطة, لملم أجزائه المتبقة ورحل, في المساء تذكر, كيف كان؟ وماذا أصبح؟ كان أملا عظيما, ثم تحطم, تذكر بأن الحائط القوي, الذي كان يستند إليه تهدم, منذ مات أبوه, فنام بلا قلب, بعد أن سكن الخوف ضلوعه من الحياة, خائفا يترقب سقوط عصا الإرهاب.