لا شك أن العالم يتغير كل لحظة, وفي غضون سنوات تتبدل أحوال الأمم, تقوم قوى, وتتخلف أخرى, تتقدم وتتأخر, فالعمل البناء, والنية الصادقة, هي المعيار الصحيح لرقي الأمم وبناء الأوطان, ووضعها على المسار السليم, ولكن لا أمل في بقائها إن غابت الحرية والعدالة من المجتمع, ولن تمر سنوات حتى نعود إلى نقطة الصفر مرة أخرى إن هي فقدتها واستهانت بها, فالحرية هي لسان حال المجتمع السليم, والعدالة هي الطاقة التي تمده بالبقاء ثابت قوي, ولن تكون هناك حرية لشعب أغلبه لا يحترم أهم مبادئها, وهي حرية القول, وقبول الأخر, مهما كانت له من أفكار وأراء, حتى ولوكانت خلافا عقائديا في الدين, فيجب أن نوطن النفوس في السنوات الستة الباقية من تقبلها للآخر, مهما كان يحمل من أفكار وأن نعطي للجميع الحق في عرض قضيته, وشرح أفكاره, وأن نناقش ونحلل بعد أن نستمع لهم, ولا نرفض على الغيب, ودون معرفة, فكثير من الأفكار والأراء التي ظنها المتدينون في القديم ضد الدين, وأنها تنجرف بالمسلم, إلى الكفر والعصيان, أصبحنا الآن نعتقدها عقيدة دينية, ومن يقول بخلافها يكون متقول على دين الله بغير علم, والقائمة طويلة, لمن أراد أن يعرف, ما كان يحرمه رجال الدين في الماضي, وأصبح الآن شرعا, ويحس عليه الدين ويؤازره, ولكن الأمر قد استغرق سنوات لمعرفة الحقيقة, استغرق سنوات من الجدل العقيم, الذي تسبب في تراجع الأمة وظهورها بمظهر الجهل والتخلف في أعين الأجيال اللاحقة, وأعين الأمم الأخرى, التي حملت شعلة العلم, وسلكت الطريق نحوه, لتنهض بالأمة, بعد أن ثيت لها بالعقل والمنطق ورؤية البصر والبصيرة جدواها في إزاحة الغمامة, فأسرعت في ركب الحضارة, تنهل منها وتشارك في بنائها, بينهم نحن لالنا نتجادل حول أمور نخرت في أعصاب الأمة, حتى هلهلتها وشتت قواها وذهنها وأنهكت طاقتها في اللاشيء, فإذا بنا وأيدينا فارغة, نندب حظنا وفوات الآوان في استرداد ما غاب عنا