في الأمم غير المتطورة لايملك الإنسان إلا أن يعيش في التاريخ السحيق شاء أم أبى ، وبواجهاته المختلفة ، الاجتماعي والعمراني والسياسي والعلمي والتشريعي .
ولذا ترى هذه المقولة المشهورة " التاريخ يعيد نفسه " ماثلة في حياة الأمم المتخلفة ، فهي تعيش الأمس لااليوم ، والماضي السحيق لاالغد ، وتعشق المألوف والمتوارث ، وتعادي ماتجهل ،بل ومن يحاول أن يفهم ماتجهل .
ونحن في عالمنا العربي أو عالمنا الثالث نصر على أن نعيش الماضي بامتياز ، ولاتحكمنا سوى العادات البالية ، وماترسخ داخلنا من موروثات الأفكار والأحكام والقناعات ، التي انحدرت إلينا من مخلفات البيئات الساذجة، واجتهدنا في أن نلبسها لباس التقوى والدين .
أما صحيح المنقول المتوافق مع صريح المعقول، فقد أصبح هو الغريب والشاذ ، والمتحدث عنه مبتدع ، والمتمثل به خارجي وزنديق …
ويالمحنة كل من يحاول الخروج عن السرب والتحدث بلسان الحقيقة ، وتمييز صحيح الدين من ركام الموروث والبالي !!!
لقد صار لدينا عصابات وقراصنة مدججون بألسنة حداد ينافحون عن غثاء الفكر ، لايعرفون غير لغة السباب والقذف والتخوين والتكفير والتضليل ، ومن ليس على طريقتهم هلكى ومصيرهم إلى جهنم محتوم ، فهم وحدهم أهل السنة والجماعة وأهل الفرقة الناجية .
أما الدين فهو عباره عن هذه المظاهر الخارجية التي ألبسوها ثوب الشريعة ، وتناقلوا فيها الإجماع ، ورفعوها الى منزلة المعلوم من الدين بالضرورة …
جل كلامهم يدور في فلكها ، ويصيحون ويتشنجون في التوافه والسفاسف ، ولانكاد نسمع لهم حديثا واحدا عن أخلاقيات هذا الدين التي تجردوا منها ، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم أجمل الدين كله في قوله " إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق .
ياسادة الدين في جوهره منظومة أخلاقية راقيه ترتقي بالنفس وبالحياة وبالسلوك ، لا أحكاما تسلطية مجهولة الهوية ، ترسخ للاستبداد والظلام والعنف والإقصاء ….
وصدق الله العظيم " ومنهم أميون لايعلمون الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون "
فهؤلاء المتصدرون من حملة غثاء الفكر ماهم إلا أميون، واقتناعهم بأنهم أهل الفرقة الناجية ماهو إلا أماني وإن هم إلا يظنون ، وويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون .