بناء على طلب بعض متابعات الصفحة مزيدا من التوضيح في هذه القضية ، ومن باب الإجابة عن استفتاءات مجمعة في ذات الموضوع ، أقول باختصار :
ماطرأ على وضع المرأة من تغيرات لكونها أصبحت تعمل وتكتسب من عملها، ولو كان مالا كثيرا لا يغير شيئا من وضعها المالي في الشريعة الإسلامية ، وليس صحيحا أن يفتي أحد بإسقاط حق نفقة الزوجة على زوجها ، تحت زعم تغير وضعها المالي عما كان عليه وقت التشريع ، أو أن نفقتها تجب مقابل الاحتباس لحق الزوج في البيت فإذا خرجت للعمل سقطت نفقتها .
أقول لمن يقول بهذا الاحتباس ، أين مستندكم لهذا الفهم من القرآن الكريم ؟ وأين هو في السنة؟
وكيف ؟ والنبي صلى الله عليه وسلم يقول في نص واضح صريح " قد أذن الله لكن أن تخرجن لحوائجكن "
والحوائج هذه كلمة فضفاضة تتسع لكل مايطرأ على حياة المرأة من تغيرات تستدعي خروجها .
فحوائج جيل جداتنا وأمهاتنا ، بل وجيلنا نحن قد اختلف كثيرا عن حوائج بناتنا ، وماكان ترفا بالأمس صار ضرورة اليوم.
وماوجد فيه خلاف فقهي منذ فترة ليست بالطويلة ؛صار أمرا طبيعيا بل وعاديا بين شابات اليوم.
والخلاصة هي أن نفقة الزوجة على زوجها واجبة بالزوجية ، حتى إن الإمام ابن حزم رحمه الله ليوجبها بمجرد العقد ، حتى ولو مكثت الزوجة بعد العقد سنوات في بيت أبيها وقبل الدخول .
كما أن النفقة لاحد لها معين ، وإنما على قدر وسع الزوج وطاقته بنص القرآن الكريم " لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله " وعليه فلا مسوغ شرعي للخلاف الفقهي الذي دار بين الفقهاء في قدر نفقة الزوجة ، وذلك التضييق الشديد الذي ورد على لسان بعضهم حتى فيما يختص بنفقة العلاج ، فهناك من أسقطها عن الزوج ، وكذلك بالنسبة لأدوات النظافة والتزين ، بل وكفن الزوجة هناك من لم يوجبه على الزوج ، كل هذه الفروعيات وأمثالها مما يتنافى تماما ودواعي حسن العشر ة ، وماتعارفت عليه الفطر الإنسانية السوية من قواعد المروءة وكريم الخصال .
كما أنه لاعلاقة للنفقة الواجبة بالزوجية بكون الزوجة تكتسب أو لا تكتسب ، ذات مال أو فقيرة ، تخرج للعمل أو لاتخرج .
ولكن المعاشرة بالمعروف تقتضي أن تشارك الزوجة ذات الكسب زوجها أعباء الحياة ، التي أصبحت فوق طاقة أي زوج بمفرده ، ولها أن تحتسب ذلك من الصدقة إن شاءت ولها أجرها عند الله ، بل إن زوجها أحق بصدقتها إن كان معوزا أو فقيرا ، كما أرشد النبي صلى الله عليه وسلم زينب زوجة سيدنا عبد الله بن مسعود حين استشارته في التصدق على زوجها وبنيها من مالها ، لفقر زوجها ، فقال لها صلى الله عليه وسلم " زوجك وولدك أحق "
ولاأرى مايمنع من أن تطالب الزوجة زوجها بأن يرد لها ما تنفقه من مال عليه وعلى بيته حال يساره إن كان متوقعا في المستقبل ، أو أن يكتب لها شيئا من أصوله المالية المجمدة مثلا نظير ماتنفقه ، لاسيما إذا كان ماتنفقه كثيرا وبشكل منتظم، ويعد هذا من إنصافه وحسن عشرته حتى ولو لم تطالب به الزوجة ، وهذه صورة من صور حق الكد والسعاية الذي طبقه سيدنا عمر رضي الله عنه ، وأفتى به الفقيه المغربي ابن عرضون ، وبعض الفقهاء والقضاء المالكيين ، وهي الفتوى التي نالت قبولا كبيرا لدى بعض الفقهاء المحدثين، ومنهم فضيلة الشيخ أحمد الطيب ، شيخ الجامع الأزهر .
هذا ، ومن دواعي حسن العشرة كذلك أن تتحمل الزوجة أية نفقات إضافية تنشأ عن خروجها المتكرر للعمل من ملابس وأجر مربية وخلافه ، دون أن تطالب الزوج بمقابل ذلك ، ومرد ماذكرته كله إلى المعروف ودواعي حسن العشرة ، ونفي الإضرار ، وهو ماندب إليه القرآن الكريم في أكثر من آية .
وفي المقابل نقول : من غير المقبول كذلك على الإطلاق القول بإسقاط حق المرأة في الميراث الذي قدرته لها الشريعة الإسلامية أو تقليله للسبب نفسه ، يعني لكونها تكتسب أو ذات مال ، أو يغالي أحد فيطالب بتعديل حقها من الميراث حتى تتساوى بأخيها لكونها أصبحت مسئولة عن النفقة على نفسها ، أو لكونها تشارك زوجها في نفقات البيت وخلافه .
كل هذا كلام مرفوض ، لأن نفقة الزوجة على زوجها مقررة بنص القرآن الكريم ، وكذا حقها في الميراث محدد ومقدر ، ولاكلام ولا اجتهاد في محددات ومقدرات القرآن الكريم ، فهذه من النصوص القطعبة ثبوتا ودلالة ، وهي تقع في دائرة حدود الله ، أو الثوابت التي لا تتغير بتغير الأوضاع والأحوال والأزمنة .
وصدق الله العظيم " ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه"