تتوجّس اللغةُ منّي،
كأنني أقترب من حنجرتها
أكثر مما ينبغي،
وأضع يدي
على نبضٍ
لا يجب أن يُلمَس.
كلما نطقتُ،
اهتزّت الأبجدية حولي
كالدروازة القديمة
حين يعبر منها ريحٌ
لم تُعرّفه البيوت.
وتقول الحروف
بصوتٍ خفيّ لا يسمعه إلا من ضلّ طريقه:
“مَن هذا الذي يمدُّ إصبعه
إلى جرحنا الأول؟”
أنا…
ذلك الذي لا يثق به المعنى،
ولا تطمئنّ إليه الاستعارة،
لأنني أفتح أبواب الكلمات
بمفاتيح
لم تُصنع بعد،
وأدخل إلى القاموس
دون أن أخلع عن قدميّ
تراب الرؤيا.
يا لهذه اللغة…
تتوجّس مني
حين أكتب،
وتتوارى خلف ظلّها
كغزالةٍ بريّة
تعرف أن العارف
لا يصيد،
بل يفتّش عن الأثر.
وتخاف أكثر
حين أصمت
لأن الصمت،
في عرفها،
أخطر من الكلام،
وأكثر احتمالًا
لأن يخلع عنها سرابيلها
ويتركها عارية
أمام المعنى.
أمشي فيها
كما يمشي رجلٌ
يختبر توازنَه
على خيطٍ من هواء،
خيطٍ لا يراه أحد
لكنه موجود؛
موجود كأنّه
النقطة التي سبقت الألف،
والهيولى التي سبقت الصوت.
توجّس اللغة…
ليس لأنني أؤذيها،
بل لأنني
أفتح فيها نوافذ
تطلّ على ما
لا تحبّ أن تراه:
ارتعاشاتها القديمة،
مخاوفها من الحقيقة،
هزيمتها أمام الوجد،
وارتباكها
أمام رجل
يكتب كأنه
يسلخ عنها
كل محاولة للهرب.
وحين أقترب من نهايتها،
ترتجّ الحروفُ
كما لو أن الوجود
ينفخ في صدري
ليقول:
“إيّاك…
لا تفكِّك لغتي،
فأنا التي صنعتك.”
وأبتسم،
لأنني أعرف
أن اللغة، رغم خوفها،
تشتهي من يربكها،
وتبحث عمّن
يوقظ رعدها القديم.
توجّس اللغة…
هو إعلانها السري
أنها وجدت أخيرًا
من يجرؤ
على الدخول في لحمها
من باب المعنى
لا من باب النحو.






































