حين نفرح، نشعر وكأن هذا العالم قد خضع لأهوائنا،
كأن الكون لا يسكنه سوى الجمال…
ذاك الثقل الذي طمس نجوم عينيك،
صار عِهنًا يتطاير كرمادٍ في نسيم رقيق،
يرقص على أهدابٍ مبللة برجاء الحنين.
تُخيَّل لي قلوبًا بيضاء كأوراق الغار،
تحطّ برقة على أغصان شجرة الزيتون،
تختلط بخضرتها، فتتنحى الظلمات المتربصة،
ظلمات أناسٍ حسبناهم نورًا،
وخاب فيهم عَشمٌ سنين،
كان الأجدر أن يذوب في طرفة عينٍ تردّ الجميل.
أنا سعيدة،
أو هكذا أخبر نفسي،
أتظاهر، أو ربما أُخادع قلبي،
لا أراهم حاقدين…
أو ربما غلبني النسيان،
أو لم يعد يهمني أمرهم.
لهم منّا السلام، وعليهم السلام،
قد دقّوا، واعتصروا، وما اهتزّ لنا جفن.
بل جعلونا، من حيث لا يدرون،
كالكلمة الطيبة…
أصلها في الأرض، وفرعها في السماء،
تؤتي أكلها بإذن من التجأنا إليه حين ضاق بنا الجبين.
لكن بين طمأنينةٍ مخدوعة وصمتٍ مرير،
عدتُ إلى لحظة الغفلة،
حين تاهت منا دروب الحكمة،
وكنتُ كطفلٍ ضلّ طريقه،
ودخل خوخة اليهود،
أُعجبوا بحُليّه،
فطمعوا،
وتناوبت عليه ألسنة المخادعين.
أُبْلِغ عنه هذا،
ونبش باطنه ذاك،
وبين نهم هذا وذاك،
عاد رجلًا
تخشاه الغربان من وراء الجبال،
رجلًا في عينيه وجعٌ يفوق لهيب شمس أُحد،
ولكنه تمسك بأطراف رسول الله،
وثبت رغم الأنين.
أُريد أن أنتزع هذا الألم،
أن تأتي سحابة النسيان
وتجرّ خلفها ثوبَ الهُدوء.
سئمت التكرار،
تعبت من الخطاب ذاته،
ومن وجعٍ لا ينتهي.
وإلى متى؟
إلى متى أبقى عالقة بين ماضٍ لا يرحل،
وحاضرٍ لا يشبهني،
في دنيا يسكنها أناسٌ آخرون؟
أريد أن أتصالح مع قلبي…
فيا روحي، بلّغي عني السلام،
قولي له: كفى،
كفى غضبًا أنهك جنبات عيشي،
كفى صمتًا لا يُشبه السكون.
أُريد أن أصرخ:
أنا موجوع!
لكن حتى رفاهية السقوط
ليست مسموحًا بها بين ثعالب النفوس.
لا خوفًا منهم…
ولا مجاملةً لوجوههم المزيّفة،
بل لأنني رُبّان سفينة،
ومن خلفي تنشأ أرواح أرجوها صالحة،
أُريدهم أقوى منّي…
فأنا لستُ كسيرة الجناح،
بل كسيرة القلب،
لا أقوى على ردع ساكنيه.
فيا ربي،
إن كان هذا الحِمل قدرًا لا مفر منه…
فامنح قلبي الثبات،
وارزقني الصبر الذي يهدئ العاصفة،
لأحول هذا الوجع المرير…
إلى نورٍ يضيء دربي،
إلى خلاصٍ
يحملني نحو السلام،
نحو كل جميل.