هذا الكتاب مثلا..ينظر الناس إليه ككتاب عن الطعام..و أراه
Coming of age drama ..
الولد الشقى محمود السعدني..لاذع النكتة ...المشاغب المناور الشجاع ..النسخة الساخرة من نجيب محفوظ فى فلسفته وعمقها ورؤيته العميقة للشخوص ونوازع النفس البشرية..المطارد من كل أنظمة الحكم في مصر عدا حسنى مبارك اللى سمح له بالعودة بعد سنين المنافى ..
"وداعا للطواجن" ..هو توثيق لعلاقه الإنسان بالطعام ..المتعة الجميلة الصافية بنت الحلال .....قدرته على الاستمتاع بها تتناسب مع قوة صحته ...و كذلك إنذارات تمرد جسمه عليه تبدأ معها ..لتتشابك العلاقة بين العشق الممنوع و مطاردة اللذة رغم آلام الأسنان أو المعدة أو القولون...يقف الطبيب ساعتها كخازن جهنم ...يحول بين الإنسان وانهار العسل والسمن و السمين و الموزة و الضانى و الطواجن ...
الكتاب تأريخ لرحلة الولد الشقى محمود السعدني إلى
طواجن الطعام...بين شوارع السيدة زينب و طواجن بغداد و طاجين المغرب...تختلط حكاياته عن الطواجن بهوامش السياسه و التاريخ...الغريبه أن الطاجن هو دائما سيد المشهد و مركزه و ما حوله أحداث جانبيه مهما كانت جسيمة ..سواء لوقعها العام على المنطقة العربية أو لوقعها على الولد الشقى فى معتقله أو منفاه...
فى نفس الوقت..رصد لعلاقة الإنسان بجسده وهو يعلن التمرد عليه تدريجيا مع تقدم العمر....يسبب الطاجن اللذيذ آلام مرعبه وقرحة معدة شديدة..لصاحبها الذى كان قبل عقد واحد يلتهم بدل الطاجن اثنين..ولاشىء يحدث ..يحل المسلوق والممصوص والمفعوص محل الليه واللحمة الملبسه أو الجمبرى مضافا إليه البصل والثوم والتوابل...ينسحب طعم الحياة تدريجيا من فم الإنسان مع طعم الطعام...يقاوم الولد الشقى التقدم في العمر..يقامر بأكله طاجن كأيام الشباب ....مرة تصيب وتمر بسلام..ومرة أخرى تقعده طريح الفراش لمدة أسبوع..تظل علاقة الشد والجذب بينه وبين الطواجن وبينه وبين عمره وسنينه وحياته ...حتى يتقبل فى النهاية الأمر الواقع..وان دوام الحال من المحال..و يتأقلم داخل جسده الجديد الذى لا يحتمل الطواجن...ولا الحرب مع الحياة أكثر من ذلك...
.الطواجن..تلك الذكرى الشهية من عهد ولى ....
أما الحاج محمود..الولد الشقى..فهو فيلسوفى المفضل...أعشق فلاسفه النكته اللاذعه ... الفلاسفة الضاحكين ...هؤلاء الذين عركتهم الحياة..وعاركوها ....تقبلوا تحولات الدهر بضحكه مجلجله حتى فى قلب معتقلات ناصر ...
الحقيقة عندى مشكله مع الفلاسفة المنفصلين عن الواقع..بتوع القضايا الميزو وجوديه ....امثال شوبنهاور وإميل سيوران...يبثون التشاؤم وهم يلهطون من متع الحياة...يتغنون بالموت و يبكون على"مثالب الولادة" و هم يخطون للعقد التاسع من العمر..
امال بتنكدوا على أهالينا ليه! ما لو الحياة مؤرفه اوى ليه مسبتهاش؟ كان القرد نفع نفسه يعنى!
لهذا فالحاج محمود السعدني هو نموذجى المفضل.. فيلسوف بتاتش سرسجى شعبى...يتكلم عن أكثر الفلسفات عمقا بلغة يفهمها صبى القهوجى الذى يرص الشيشه ..ويحترم صبى القهوجى ويرى فيه ذكاء و فلسفه أيضا....يتحدث ببساطه دون ابتذال أو تدنى..
وداعا للطواجن يا عم محمود.. معلش..دنيا دوارة..و نحن مخلوقات تنكس فى الخلق..ومن بعد قوة ضعف...مهما عافرنا و اتشاكلنا ...تهزمنا ذكرى طاجن اللحم الضانى بالليه و الثوم و البصل وتوابل كثيفة ملقى فى الفرن ....حنين للطاجن وصحتنا أيام الطواجن.... لكنها سنه الخلق و إرادة الخالق...