في زاوية غرفته المضيئة بنورٍ خافت، وقف آدم يحدّق في صورةٍ قديمة معلّقة على الحائط: طفلٌ صغير يرقص بخفّة، يضحك، يدور، يلمع كشرارة حياة. كانت تلك الأغنية التي تعزف كل مساء في بيت جدته قادرة على رفعه من الأرض وكأن الريح تحمله.
كل حركةٍ في الصورة كانت تستدعي ذاكرةً كاملة… ذاكرة الحرية التي اختفت منذ الحادث الذي كسَر ساقيه وأثقل رحلته.
اليوم، وبينما كانت موسيقى رخيمة تتسلّل من الراديو القديم في المطبخ، أحسّ بشيء يوقظه من سباته الداخلي.
كان قلبه يريد أن يتحرّك… أن يفرح… أن يرقص مرة أخرى.
لكن نظرة واحدة إلى ساقيه، اللتين لم تعودا تعينانه حتى على الوقوف بلا ألم، أعادته إلى الأرض من جديد.
رفع يديه ببطء، كمن يلامس الهواء لأول مرة منذ أعوام. حرّك أصابعه في الفراغ، كأنها تبحث عن أفقٍ ضائع.
فوق الجدران، كانت الظلال تتراقص بخفة، وكأنها تعيد تمثيل رقصة روحه، لا جسده؛ رقصة خيالية تتحدى ثقل الألم.
جلس على الكرسي وأغمض عينيه.
في الصمت، اكتشف أن الحياة ما زالت تمنحه ما يُشبه الاكتمال:
فرحًا بلا أرضية،
وحبًا بلا اقتراب،
وحركة بلا ساقين.
لكنه لم يستسلم لهذا النقص…
بل قرر أن يتجاوزه.
تخيّل نفسه في ساحة واسعة تحت المطر، الأرض تلمع، والهواء يصفّر من حوله. رأى نفسه يرقص، يلتف، يرفع يديه، يشعر بالريح على وجهه.
وحين استدار في خياله، لمح في تلك الحركة ظلًّا يشبه الطفل الذي كانه… كأنه عاد إليه لحظةً واحدة، بخفّته الأولى.
الجدران من حوله تحوّلت إلى جمهور صامت يصفّق له،
والظلال على الحائط صارت تنبض معه، كأنها تمنحه جسدًا آخر… جسدًا لا يعرف العجز.
ولم يكن بحاجة لساقين كي ينتصر.
في تلك اللحظة اتّضحت الحقيقة كضوءٍ ينساب بلا مقدمات:
الرقصة لم تكن يومًا في ساقيه…
كانت دائمًا في قلبه الذي لا يُهزم،
وفي روحه التي رفضت السقوط.
رقصة بلا ساق—
لكنها رقصة صادقة، كاملة،
تكفي ليواصل الطريق مهما اشتد الألم.





































