نمشي في شوارع تفيض نورًا؛
مصابيح معلّقة كنجومٍ مستعجلة،
تُغطي الأرصفة بضوءٍ أصفرَ دافئ،
وكأن المدينة تضع مكياجًا لوجهٍ متعب،
لكن العابر يمرّ بينها بلا ملامح…
عيناه مفتوحتان، وخطواته تائهة،
كمن يمشي في صورة لا تحمل صوته.
فالضوء لا يمنحنا البصر،
إنه فقط يرفع الستار لمن يملك الشجاعة أن يحدّق.
الرؤية ليست فعل العين وحدها،
بل فعل قلبٍ يتسع لما يراه.
كثيرون يرون الأبواب،
وقليلون يرون إلى أين تقود.
هناك من تلتقط عيناه التفاصيل،
لكن قلبه لا يتصل بها،
فيبدو الضوء حوله كضجيج بصريٍّ لا معنى له.
وفي المقابل…
ثمة مَن يسير في عتمة كاملة،
ورغم ذلك تتوهّج خطواته من الداخل،
كأن الضوء يسكن تحت الجلد،
ينبض، يتحرك، ويمنح الحياة لكل ما يلمسه.
الضوء بلا إدراك يتحوّل إلى خلفية صامتة،
تزدهر الشوارع، وتخمد الأرواح.
فالعتمة ليست نقص المصابيح،
بل غياب الاستعداد لأن نستقبل ما تكشفه.
لسنا بحاجة إلى المزيد من الإنارة،
بل إلى عيون لا تخاف الحقيقة،
وإلى أرواح تسمح للضوء أن يغيّرها.
فليس كل ما نراه يمرّ بنا… بعضه يمرّ فينا.
الرؤية الحقيقية ليست ما ينعكس على الجدران،
بل ما يصل إلى الداخل ويحرّك السؤال.
حينها فقط يصبح الضوء حياة،
لا مجرد زينة فوق الأسفلت.
في النهاية، لسنا نبحث عن ضوء يملأ الطرق،
بل عن بصيرة تملأنا نحن.
فالضوء لا يُنقذ من العمى،
إنما نحن من نقرر أن نُبصر.
وما خُلِق النور ليرضي العين وحدها،
بل ليوقظ الإنسان خلف العين؛
حتى لا نمشي في ضوءٍ كثير ووعيٍ قليل.
فالضوء لا يكفي، والعيون لا تكفي، بل ما نحتاجه هو أن نُبصر بقلوبنا قبل أن نُبصر بعينينا.





































