في زمنٍ تتسارع فيه التحولات الثقافية وتتقاطع فيه الرؤى، تقف الكاتبة العربية على مفترق دقيق، تتأرجح فيه بين واجب التعبير وهاجس التأويل، بين الرغبة في قول ما يجب أن يُقال، والخشية من أن يُساء فهمه أو يُحمّل ما لا يحتمل.
لم تعد الكتابة النسوية في السياق العربي مجرّد بوحٍ ذاتي أو توثيق للهامشي واليومي، بل تحوّلت في كثير من الأحيان إلى ساحة جدلية تحتدم فيها الأصوات بين الحداثة والتقليد، وبين الجرأة والتعقّل، وبين الواقعية وتجاوزاتها.
لقد منحت الحداثةُ الكاتبة حريةً أوسع في التعبير عن ذاتها وتجربتها، غير أن هذه الحرية ما تلبث أن تصطدم بسؤال النية: هل نكتب لنكشف ونفهم؟ أم لنصدم ونستفز؟ وهل تُمارَس الكتابة بوصفها فعلًا صادقًا واعيًا؟ أم تُتّخذ غطاءً لخطابات تتجاوز القيم دون مساءلة فنية أو أخلاقية؟
أكتب من موضع تقاطعٍ هوياتي، يتشابك فيه الانتماء السوداني العميق بالتجربة الخليجية اليومية، وهو ما منحني حسًّا مركّبًا لمعاني التعبير حين تكون الأنثى هي الفاعل اللغوي، لا مجرّد صدى لغيرها. وقد تابعت عن كثب نماذج متعددة من الكتابات النسوية التي اتخذت من الجرأة عنوانًا، لكنها – للأسف – سقطت أحيانًا في فخ التعرية الفجّة، حيث يتم اختزال "التحرر" في تجاوزات لا تُعبّر عن عمق التجربة النسوية، بل تضعها موضع الاتهام والتساؤل.
إن الكتابة النسوية التي أؤمن بها ليست تلك التي ترفع الصوت دون تروٍّ، بل تلك التي تنبض بصدق التجربة، وتعكس حسًا إنسانيًّا عاليًا يلتقط الألم دون ابتذال، ويقول الحقيقة دون أن يجرّدها من احترام السياق والقيم.
الواقعية في الأدب لا تعني نقل الواقع حرفيًّا، بل تعني تحليله، تأويله، وتقديمه بلغة تحفظ كرامة الإنسان وكرامة الكلمة. والكُتّاب – نساءً ورجالًا – حين يحاكون الحياة، لا يكتفون بعكسها، بل يعيدون بناءها على نحو يجعلها قابلة للفهم، والتأمل، والاحترام.
أما موقفي الشخصي، فلا أدّعي امتلاك الحقيقة، لكنني أكتب من مساحة بينية: بين الصوت والسكوت، بين التعبير والانضباط. بيني وبين الكلمة عهدٌ قديم: ألّا أكتب ما يُخجلني، وألّا ألوذ بالصمت عمّا يؤذيني.
أؤمن أن الكتابة النسوية التي تترك أثرًا هي تلك التي تحترم ذاتها أولًا، وتحترم عقل القارئ وروحه. تلك التي تمارس حريتها بوعي، وتكسر القيد من الداخل لا من العنوان. لا تُعنى بإحداث الضجيج، بل بصناعة المعنى.
في ختام القول، لسنا بحاجة إلى إثبات أن للمرأة صوتًا، فهذا أمر محسوم. ما نحتاج إليه هو نصوص هادئة، صارمة، نابعة من وجعٍ حقيقي وتجربة إنسانية عميقة، تنير دروب الوعي بدل أن تثير الغبار، وتُربّي الذائقة بدل أن تُربكها.
تلك هي الكتابة التي أؤمن بها.