كان يا مكان، في هذا الزمان، حيث الحب يزهر والقلوب ترقص، قرر أحمد، الشاب اليافع الذي لم يبلغ بعد الثلاثين، أن يخطو خطوة "الزواج". كان الجميع يهنئه، والأمهات يزغردن، والعمات ينظرن إليه وكأنه اكتشف علاج السرطان. أما هو، فكان يرى نفسه فاتحًا للأندلس.
مرت الأيام الأولى كأنها حلم وردي، كأنك تشاهد إعلانًا لمنتج تنظيف، كل شيء لامع وبراق. كانت ياسمين تطهو له أشهى الأطباق، ويعدّ لها هو قهوتها الصباحية، وكانا يتنافسان في من يقول "أحبك أكثر" أولًا.
لكن، كما نعلم جميعًا، لكل دواء آثار جانبية، والزواج ليس استثناءً. بدأت الآثار الجانبية بالظهور تدريجيًا، مثل حب الشباب في سن المراهقة، لا مفر منها.
الجانب الأول: متلازمة "أين ريموت التلفزيون؟"
تحول أحمد من رجل يضع كل شيء في مكانه، إلى كائن بشري يعاني من فقدان الذاكرة قصيرة المدى خاصة فيما يتعلق بموقع ريموت التلفزيون. كانت ياسمين دائمًا ما تجده تحت الوسادة، أو داخل علبة المناديل، أو حتى معلقًا على مرآة الحمام. في إحدى المرات، وجدته في وعاء السلطة بعد أن أعدا عشاءً رومانسيًا. كان أحمد يقسم بأنه لم يمسه، وأن الريموت قد "تسلل" إلى هناك بمفرده!
الجانب الثاني: نظرية "الطبق الفارغ"
كان أحمد يعشق الطعام، وهذا أمر طبيعي. لكن بعد الزواج، تطورت علاقته بالطعام إلى "عشق من طرف واحد". مهما طبخت ياسمين، وبغض النظر عن كمية الطعام التي تعدها، كان الطبق يختفي وكأنه تعرض لعملية اختطاف جماعي. كانت ياسمين تقول: "أحمد، هل أكلت كل الدجاج؟ لقد طبخت دجاجتين بحجم الجمل!" فيرد أحمد ببراءة شديدة: "لا يا حياتي، لقد تذوقت قطعة صغيرة فقط."
ثم يبتسم ابتسامة بلهاء، فتدرك أن الكلام بلا جدوى.
الجانب الثالث: فن "الصمت الاستراتيجي"
قبل الزواج، كانا يتحدثان لساعات دون كلل. بعد الزواج، اكتشف أحمد فنًا جديدًا: فن "الصمت الاستراتيجي". عندما تسأله ياسمين عن رأيه في فستانها الجديد الذي اشترته للتو، كان يجيب بصمت عميق مصحوبًا بابتسامة خفيفة.
بدأ عقله لا يفكر فى أشياء جادة وبدأ يفكر في خواطر تحمل أسئلة وجودية (لماذا تجري الكلاب في مجموعات؟)(هل كل الحيوانات لها نفس اللغة؟)
تصرخ فى وجهه وتتهمه بأنه يفكر فى فتاة أخرى وأن شروده بسببها.
بعد فترة اكتشف ظاهرة "الأشياء المتحركة". جواربه كانت تختفي وتظهر في أماكن غريبة، مثل درج السكاكين أو تحت غسالة الأطباق. مفاتيحه كانت دائمًا في يد ياسمين، حتى عندما لا تكون ذاهبة إلى أي مكان. في إحدى المرات، وجد حذاءه الأيمن في الثلاجة. عندما سأل ياسمين، نظرت له نفس النظرة البلهاء التي تعنى أنها لن تجيب.
الجانب الخامس: تحول "المحبوب" إلى "المسؤول"
أخيرًا، وليس آخرًا، تحول أحمد من "المحبوب" الذي لا يعرف همومًا، إلى "المسؤول" الذي يحمل على عاتقه كل شيء. كان عليه أن يتذكر تاريخ ميلاد حماته، وأن يدفع فواتير الكهرباء والمياه في موعدها، وأن يشتري البقالة، وأن يستمع لمشاكل العمل التي تواجهها ياسمين لساعات. في إحدى الليالي، استيقظ وهو يصرخ في نومه: "لقد نسيت أن أشتري الخس! سنموت جوعًا!" استيقظت ياسمين مذعورة، لتكتشف أنه كان مجرد كابوس زواجي.
حتى أتى هذا اليوم الذي أعطته فى يده شيئا مثل ميزان الحرارة ، رأى فيه خطين باللون الأحمر، فنظر لها نفس النظرة البلهاء.
______________
في مدينة صغيرة هادئة، عاش سمير، شابٌ يافعٌ يحلم بأن يصبح كاتبًا عظيمًا، لكنه كان يعمل موظفًا في بنك، حيث كان أكثر إنجازاته اليومية هو عدّ الأوراق النقدية بدقة مُذهلة. كان سمير يعتقد أن حياته مثالية: شقة صغيرة، قهوة صباحية، ومسلسلات تلفزيونية يشاهدها بمفرده. لكن، كما يحدث دائمًا في القصص، قرر أهله أن الوقت قد حان لـ"استقراره".
"سمير، يا ولدي، الزواج نعمة!" قالتها أمه وهي تحمل صينية كنافة لإقناعه. "جنة بنت الجيران فتاة رائعة، وستجعل حياتك جنة!"
تحت ضغط العائلة والكنافة، وافق سمير على الزواج.
اليوم الأول بعد الزواج:
استيقظ سمير على صوت جنة وهي تتحدث بحماس: "سمير، حبيبي، قررت أن نعيد ترتيب الشقة! الكنبة تبدو أفضل جانب المطبخ، أليس كذلك؟"
"جانب المطبخ؟!"
صرخ سمير داخليًا، لكنه ابتسم وقال: "طبعًا، فكرة عبقرية!"
في تلك الليلة، وجد نفسه يجلس أمام التلفاز على كنبة بجانب المطبخ بينما رائحة البصل المقلي تملأ المكان. "هذه بداية الجنة التي تحدثت عنها أمي"، همس بالكلمات وهو يحتضن وسادة تحمل رائحة الثوم.
الأسبوع الثاني: الآثار الجانبية تبدأ
بدأ سمير يلاحظ تغيرات غريبة. كان يستيقظ فجأة في منتصف الليل ليجد جنة تحدثه عن ألوان الستائر: "الأزرق يعطي طاقة إيجابية، لكن الأحمر يقوي الحب! أيهما تفضل؟"
_"أفضل النوم"
ثم جاءت المرحلة الثانية: التسوق. أخذته جنة إلى متجر أثاث، حيث قضيا خمس ساعات في النقاش حول "الفرق بين البيج الفاتح والبيج الداكن". عندما عاد إلى البيت، اكتشف أن محفظته أصبحت أخف وزنًا، وأن لديه طاولة طعام جديدة "تتناسب مع طاقة المنزل الإيجابية".
الشهر الثالث: التحول الكامل
بدأ سمير يتحدث بلغة جنة دون أن يدرك. في البنك، وجد نفسه يقول لزميله: "هذا التقرير يحتاج إلى لمسة حنان أكثر !"
زميله نظر إليه بدهشة: "سمير، هل أنت بخير؟"
_"أنا؟ أنا في قمة السعادة!" .
بينما كانا يشاهدان التلفاز، قالت جنة: "سمير، هل فكرت يومًا أن نربي قطة؟ القطط تجلب الحظ!"
وجد نفسه يقول: "طبعًا، حبيبتي، لنربي قطتين!"
في تلك اللحظة، أدرك سمير أن الزواج ليس مجرد عقد، بل دواء له آثار جانبية: فقدان السيطرة على الشقة، المحفظة، وحتى المنطق.
اعتاد سمير على الحياة الجديدة. تعلم كيف يفرق بين درجات الألوان، وأصبح خبيرًا في تحضير القهوة بالطريقة التي تحبها جنة. حتى أنه بدأ يستمتع بمناقشات الستائر! لكنه لم يتخلَ عن حلمه بأن يكتب رواية عن تجربة الزواج .
كتب قصته الأولى بعنوان: "الآثار الجانبية للزواج".
قرأت جنة القصة وضحكت حتى البكاء: "سمير، أنت موهوب! ولكن لابد من تعديل اسم القصة!
سألها فى تعجب:
_ لماذا؟
ابتسمت فى انتصار وهى تتحسس بطنها:
_ اجعل اسمها: الآثار الجانبية للأبوة!!