كانت كل الأمور تسير على ما يرام... كما يبدو.
ضحكاتهم يوم الزفاف كانت تملأ البيت، والتهاني تُلقى عليها كما تُلقى الزهور على عروسٍ تُقاد نحو قدرها.
كانت صغيرة، لا تعرف من الحياة سوى أحلامٍ بسيطة عن بيتٍ دافئ وزوجٍ يحتضنها إذا حزنت.
لكن بيت العيلة كان شيئًا آخر... عالمًا من الأوامر والنظرات والحسابات التي لا تنتهي.
منذ الليلة الأولى، فهمت أن لهذا البيت قانونًا واحدًا:
ما تقوله الحماة لا يُرد.
كانت تفتح الباب بمفتاحها في أي وقت، دون استئذان، تدخل شقة الزوجين كما لو كانت غرفتها الخاصة.
وذات صباحٍ، فوجئت بها تقف أمامها، والمفاتيح تتدلى من يدها، بينما هي ترتدي ملابس النوم.
تجمدت في مكانها، وجهها احمرّ خجلًا، لكن الحماة لم تلتفت، فقط قالت ببرودٍ جارح:
– "المرة الجاية البسي حاجة محترمة، يمكن حد يدخل فجأة."
منذ ذلك اليوم، لم تعرف الأمان في بيتها.
كانت تغلق الأبواب والستائر، لكنّ خوفها كان دائمًا يسبقها.
كانت الحماة تأمرها بعزوماتٍ أسبوعية لأقاربها، وهي تجتهد وتطبخ من الفجر، بينما يجلس الجميع يأكل ويضحك، ولا أحد يلتفت إلى الفتاة المنهكة التي تقف على قدميها منذ الصباح.
وحين تتأخر في تقديم العصير، يأتي الصوت القاسي كصفعةٍ على وجهها:
– "اتعلمي الشغل، مش كل شوية أقولك!"
زوجها لم يكن يسمع سوى صوت أمه.
كلما حاولت أن تشكي، كان يرد ببرودٍ يطفئ آخر ذرة من كرامتها:
– "هي أمي، وبتقول لمصلحتنا."
ومع كل عامٍ يمر، كانت تُطفئ في داخلها ضوءًا جديدًا.
ضحكتها صارت ذكرى بعيدة، وصوتها خافتًا كأنها تخاف أن تُسمع.
كانت تنظر في المرآة فلا تعرف مَن تلك المرأة التي تحدق فيها.
وفي أحد الأيام، بينما كانت تغسل الأطباق بعد عزومةٍ طويلة، نظرت إلى يديها المتشققتين، وقالت في سرها:
"يمكن دي مش حياتي... بس خلاص، فات الأوان."
رفعت عينيها نحو الباب، الذي لم يُغلق يومًا عليها، وشعرت أن حتى الحيطان تحفظ وجعها.
ثم أكملت غسل الأطباق في صمت، والماء يختلط بدموعٍ لم يلاحظها أحد،
كما لم يلاحظ أحد يومًا أنها كانت تموت ببطء، كل يوم،
في بيتٍ مليء بالناس... لكنه خالٍ من الرحمة.
بعض البيوت لا تُهدم بالحروب... بل بالقلوب الباردة





































