تايتانك ... من لا يعرفها ؟؟ ..
نعم نعم ... مقطع كيت وينسلت المحذوف من الفيلم الشهير في نسخته المعروضة عربيا .. ، أعرف عزيزي المتابع العربي أن تيتانك بالنسبة لك هو هذا المشهد الخالد ..
و بالنسبة لآخرين .. هي الفيلم الشهير الرائع الذي يحمل نفس الإسم .. بطولة الإيطالي دي كابريو و الولية كيت وينسلت ... أيووون .. صاحبة المقطع المحذوف .... الله ينور عليك ...
هذا الفيلم.. شاهدته في عام 1999 بسينما شيراتون التحرير علي ما اذكر مع زميلي ودفعتي العقيد مهندس احمد عبد الله .. حياه الله بالخير اينما كان حاليا ...
لكن تيتانك بالنسبة للعالم و للعلم ... شئ مختلف ...
شاهدت حلقة في برنامج بثته القناة المبهرة ناشيونال جيوغرافيك ابوظبي... عن كيف أن علماء الهندسة البحرية و البحار و الميتاليرجي ( علم المعادن تحت المجهر ) ... قاموا بمسح حطامها الغارق رقميا ... لمزيد من الدراسة ...
لكن ما هو المسح الرقمي ببساطة ؟
المسح الرقمي هو كاميرا بسيطه مربوطة بحبل غسيل بجهاز حاسب آلي بسيط ... تقوم برسم شكل ثلاثي الابعاد بدقة متناهية لكل تفاصيل الصورة التي تراها الكاميرا ... فتستطيع ان ترى كل التفاصيل التي لا يمكنك الوصول اليها و كأنك امامها بالضبط ...
و بالمناسبة المسح الرقمي... متاح في بعض عيادات الأسنان المتقدمة ... أنا شخصيا جربته ... ، اذا كنت تريد مثلا صناعة "تاج" لسن منزوع العصب أو سن مزروع .. يقوم طبيب الاسنان بإدخال كاميرا الي فمك ... فتقوم ببناء مشهد ثلاثي الأبعاد دقيق جدا وبشع جدا 😀 لأسنانك من الداخل ... لكي يتمكن الطبيب من صناعة "الكراون" المناسب لأسنانك اللولبية ...
نعود لتيتانك و برنامج ناشيونال جيوغرافيك...
قام العلماء بعمل ذلك المجسم الرقمي لحطام تيتانك ... فأصبحت امامهم معروضة على شاشة كبيرة .. يمكنهم فحص الحطام من كل الزوايا بكل دقة و ضوح ...
المثير هنا ... انه هذه الدراسة لم تكن للإغراض العلمية البحتة فقط ،، مثلا لم تكن لدراسة كيف غرقت السفينة بسبب إصطدام مدته ست ثوانى فقط ؟ ... ، و كيف فشل نظام الغرف المنفصلة المبتكر لبدن السفينة في إحتواء الموقف ..؟ ... و كيف لو كانت السفينة إصطدمت بالمواجهة بالجبل الجليدي ما كانت لتغرق ! ...
و لكن الدراسة كانت أعمق بكثير ... ، فقد تطرقت لدور كل شخص من أفراد الطاقم اثناء إدارة الكارثة ... هل كانت هناك بطولات ؟.. هل تصرف أحد بشجاعة و حكمة ...؟ ... هل تصرف أحد بحقارة و أنانية أثناء الكارثة ... ؟!
قارن العلماء بين تفاصيل نموذج الحطام المجسم أمامهم ... و شهادات الركاب الناجين من المأساة المدونة في مذكراتهم و في وسائل الإعلام في ذلك الوقت ... ، و هل كانت تفاصيل الحطام تدعم مزاعم شهود العيان عن بطولات منسية أو أشخاص أنذال ...
و استوقفتني ... بطولة مهندس أول تايتانك ... جوزيف بيل ..
تايتانك كانت تغرق ... ، و علم كل من الربان و كبير المهندسين أنها تغرق ... ، حينها ظل مهندس السفينة في غرفة الماكينات يعمل للسيطرة علي كل شئ .. حتى مات فيها
ربما تتساءل ... ، السفينة تغرق ... ، أين البطولة في أن تظل في موقعك لتغرق أيضا معها .. ؟ ... و تسيطر على ماذا في سفينة تغرق ... ؟! ...
لكن بطولة هذا الرجل تكمن في التفاصيل ...
السفينة إصطدمت ليلا بالجبل الجليدي و كان الظلام دامسا ... ،
إدارة عملية إخلاء الركاب إلى قوارب النجاة في الظلام الدامس درب من المستحيل ... ، لذا يجب أن تكون هناك طاقة كهربائية لكى تظل الإضاءة تعمل ...
غرفة اللاسلكي أيضا.. و التي تستخدم لبث إشارات طلب النجدة أو العون و تجعل السفينة قادرة علي التواصل مع السفن المجاورة .. يجب أن تظل في الخدمة أطول فترة ممكنة لإنقاذ الأرواح ... و هذا يتطلب طاقة ...
مهندس اول السفينة هو أكثر من يعرف ذلك ... ، لذا إحتفظ بنفر قليل مساعديه ... و ترك باقي رجاله ينجون بحياتهم ... ، و أخذ طوال قرابة ثلاث ساعات هي مدة غرق السفينة ... الكفاح لتوفير الكهرباء علي متن السفينة ... ، و إطالة مدة غرقها كلما أمكن ..
يقول الناجون أن الكهرباء لم تنقطع أبدا حتي قبل لحظات من غرق الجزء الخلفي للسفينة ...
العلماء الذين درسوا المسح الرقمي للسفينة ... ، حاولوا ان يبحثوا عن الدلائل العلمية و التفسير المنطقي .. ، لكيفية أن تظل الطاقة متوفرة في سفينة .. قطاعات محركاتها البخارية مغمورة بالماء ... ، ، ليكتشفوا فعلا أن مهندس اول السفينة نجح في عزل قطاع واحد فقط من ان تدخله المياه و استخدم محبسا وحيدا ليسمح بتوليد الطاقة عبر خط بخار وحيد متصل بمولد وحيد يعمل ، يقول العلماء أصحاب الدراسة .. ، أن هذا الرجل - جوزيف بيل ـ ظل يعمل ثلاث ساعات في قاع سفينة يعرف تماما انها تغرق و يعرف أنه سيموت ، و في درجات حرارة عالية جدا جراء البخار ، مع مكافحة المياة المتسربة ...
و أخيرا ... فضل الموت داخل موقعه ... متحملا المسؤولية... متسببا ... في إنقاذ المئات ما كانوا لينجوا لولاه كهرباءه التي ولدها ... ، و ليؤكد العلماء بالدليل العلمي القاطع .. بطولة هذا الرجل ... في دراسة نشرت عام 2024 بعد قرن و نيف من غرق التايتانك في ابريل 1912 ..
المهم ..
أحببت أن أرفق صورة معبرة عن المهندس جوزيف بيل في هذا الموضوع ... فطلبت من الحج الشات جي بي تي توليد صورة ... و سألته كالتالي :
" هل يمكن توليد صورة تعبر عن بطولة مهندس السفينة جوزيف بيل و الذي بذل كل الجهد ليسيطر علي مصادر الطاقة في السفينة تايتانك..؟ "
فكانت هذه الصورة التي تظهر مهندسا شابا وسيما جالس في سينما و ليس لشخص سيموت بعد ساعتين ...
فعدلت سؤالي كالتالي للأخ الحمار الغالي جي بي تي :
"هل يمكن توليد صورة تعبر عن بطولة مهندس السفينة جوزيف بيل و الذي بذل كل الجهد ليسيطر علي مصادر الطاقة في تايتنك ، و لكن راعي عمر جوزيف بيل ، استخدم المراجع لتعرف عمر جوزيف بيل عندما مات علي متن تايتانك ، أظهر مدى معاناته على وجهه في الصورة و هو يكافح للحفاظ على مصادر الطاقة في سفينة تغرب " ؟
فكانت الصورة الثانية الأكثر تعبيرا ... عن بطولة مهندس التايتانك ... و غباء ال جي بي تي ..