سيتركون العاصمة القديمة لتحترق بأهلها، وتندثر ظلمًا، وقهرًا، وفقرًا، ومرضًا، وسيذهبون إلى عاصمتهم الجديدة، حتى لا تتأذى أعينهم بكل ذلك الدمار.
يوتوبيا
- أحمد خالد توفيق
**********
تُرى، أين العاصمة الجديدة التي تأوي رهافةَ شعورنا من بذاءة العالم؟
من البيوت التي تضم قاتلًا متسلسلًا بين أفرادها ولا تظن فيه سوءًا؟
أي مدينة تلك التي نجد فيها الحياء سماءً، والأخلاق أرضًا ثابتة، ونحن نمشي على دروبٍ نزِقة يملؤها الضباب، لا نجد فيها ملامح واضحة؟
كلُّ من مد يده أخذ الحلو، وترك المُرَّ والندوب، ولم يلتفت...
هل من مدينةٍ تُخبِر فيها الأم ابنتها: "اختاري شريكًا يراعي الله وإن كان رقيق الحال"؟
هل من مدينةٍ بها أهلٌ يوصون ابنهم بابنةِ الغرباء خيرًا؟
هل من مدينةٍ بها قضية حقيقية، لا يُنقذ المال فيها البعض، ويترك الآخرين للجوع والتشرّد والشهادة؟
هل من مدينةٍ تعرف الحقيقة بوجهٍ واحد، ومبدأٍ واحد، وميزانِ عدل؟
أين سنذهب يا عرّابنا، ونحن على هذا غرباء؟
لا صديقَ طريق، ولا ضوء في آخر نفق الأوهام.
🍂حينما كنتُ أقرأ للدكتور أحمد خالد، وحتى في تلك الروايات البسيطة، أجد سخريته وحزنه ورؤيته لهبوط العالم نحو قاع الهلاك.
نفسي هائمة، تترنّم حبًّا، وترقص العبرات في عيني مع كل مشهد إنساني، ولو مُلفَّق.
أشتاق لطَعم الحياة الدافئ، المعجون بطحين الحنان...
🍂 "وأنا والله إنسان زيي زيكم، مليش ذنب في الظروف اللي ربنا حطني فيها، أنا بعمل اللي عليَّ، وبكافح عشان أعيش مستور."
كلام د. حسن الذي تنمّر عليه أصدقاؤه في كلية الطب، بعد استغلال قنوات الأخبار التي تتغذى على التريندات ومعاناة البشر، كونه يعمل عملًا شريفًا سمكريًّا...
لكن، ترى لو كان لديه ملهى ليلي، هل كان سيصل إليه أصحاب التريندات أو يتنمر عليه أحد؟
لا أظن، لأن الحُرّاس مفتولي العضلات سيمنعونهم.
🍂امرأة عادية التقطتها ذات العدسات الوقحة، تبكي ابنها أول يوم دراسة في المرحلة الثانوية، فأكل الناس سيرتها، وأعطوها دروسًا في التربية، وهم بحاجةٍ لنصح أنفسهم بشدّة!
🍂هرج ومَرج، ونصب وقتل وتلفيق...
قد تكون الميديا عدسة مكبّرة، لكن للحق، أصبحتُ أسعد حينما ألتقي -على الندرة والشحيح من الصدف- بأشخاصٍ مهذّبين، يعتذرون، ويساعدون دون مصلحة، حسني النوايا، يُقدّرون الحلال، ويرجعون عن الذنب قبل أن تبتلعهم موجته.
🍂ماذا بعدُ في جعبة تأملاتي؟
تنمّر...
سقوط...
ضياع وخيبات...
وتشتت للعروبة
وحنين عظيم لقلوب عادلة رهيفة..
🍂توجد صور ناصعة تحاول، لكن كيف السبيل في فيضٍ من غيبوبة الضمائر، وضرب الوعي بمقتل، وتعليمٍ يُخرج -في الأغلب- حميرًا تحمل أسفارًا؟
وبيوت تربي على التنطع والأنانية والمظاهر ومنافسات على هذيل الدنيا وفتاتها مهما كثر لا شيء أمام اللحاق برضا الله ؟
أين المدينة؟
داخلنا؟
أيمكن أن تكون المدينة قوقعة ذاتِنا، التي ستبتلعنا بصمتنا وشرودنا إلى عزلة عن الجميع؟
#نون🍂