في صغري كنت أذهب إلى الصلاة في مسجد قريتنا، وكانت أغلب المساجد في قرانا بها فتحة صغيرة مستديرة في الجدار بجوار المنبر، تطل على الشارع لتكون خلف الخطيب وهو يخطب وتحديدًا على يساره، فلما سألت عنها قال لي أحدهم: إنها تقليد وسنة قديمة إذ يقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قد أصيب بالعين وهو يخطب فجاءت العين في الجدار ففلقته، ومن يومها يضعون هذه الفتحة في الجدر خلف الأئمة، وهذا كلام طبعًا لم أقف له على نص أو أثر لا صحيح ولا ضعيف، ومنهم من قال لي: إنها تهوية على الخطيب وهو على المنبر لتطل عليه بالنور خاصة إذا كان يخطب من ورقة، ولكن العرف السائد لدى الخطباء في مصر، أنهم لا يخطبون من ورقة، فما العلة من وجودها إذن؟!
المهم أنني حينما شببت وتم تجديد المسجد، قام المجددون من عمال الترميم، بوضع شكل فني في هذه الطاقة المستديرة، وكان هذا الشكل الفني مكون من الجبس وعلى هيئة مثلثة تجسد نج*مة داو*و*د.
لم يفطن إليها أي أحد من المصلين، وكان الناس في قريتي ينظرون إليها على أنها شكل زخرفي بديع.!
لاحظت هذا الرسم الذي وضع، رمز الي*هو*د، ويعبر عن طقسهم الديني، وكأن المسجد قد صار معبدا يهوديا، وهو أمر لا يليق ولا يستساغ.
لم يصدق أحد أقربائي وهو المرحوم (السيد سعيد أبو شادي) رحمه الله زوج بنت عمي، فقال لي: لا يمكن أبدا.. هذا شكل فني على هيئة مثلث، وكان الوقت الذي نتحدث فيه في حوالي الساعة العاشرة أو التاسعة مساء، فقال لي: تعالى معي وأخذني وكانت معه مفاتيح المسجد، فتح الباب ودخلنا وأضأنا بعض الأنوار اليسيرة، وصعدنا على المنبر ونظر داخل الطاقة، فوجدها فعلا شكل مسدس يرمز إلى نجم*ة د*و*ود، فصدقني فيما قلت وادعيت، ولم يكن من السهل إزالتها، فقد نظر للموضوع بهوان واستصغار.
ألقيت بالتبعة سريعًا على عمال الترميم والجهل وعدم المعرفة الذي يسود أغلب شرائح العمال، الجهل حتى بمعرفة طقوس وشعارات العدو.
وهو ما يحدث مثل هذه الأيام في الأفراح والمناسبات، فلا يجد عمال الإضاءة شكلا فنيًا غير الهيئة السداسية التي تجسد شعار الي*هو*د. بل هو ما حدث مؤخرا فيما جسدته هذه الصورة لعمال الإضاءة احتفالا بقدوم شهر رمضان المبارك.
والأمر عندي ليس أمرًا تافها، ولا يسيرا، فالشعار لأي ملة أو دولة أو مذهب، يعني تعظيمه وتقديره، وقد يمثل أحيانا في العقول هيبة هذه الجهة التي يتبعها، وهو تماما كأعلام الدول فلا يقبل أن ترفع على دولة معادية لبلدك ووطنك لمجرد أن علمها به زخارف وأشكال فنية تروق العقل والذوق، إنه في المقام الأول يجسد العداء لوطنك وهويتك وأمتك.
ولو أن أمة أهين على بلادها فتلك إساءة بالغة تتطلب قيام الحرب ان سنحت الأمور بذلك، لأنها تعني إهانة رمز الأمة وأيقونة البلاد.
هذا لمن يزعمون تفاهة الأمر.
كان أخي ضابطا في الجيش، وقد تسلم زيا رياضيا خاصا بالتدريبات الرياضية، وكان هذا الزي (ترينج) مزينا بعلم مصر في الذراع، وفي القدم، وتحديدا عند الركبة، وفجأة تركه ولم يعد يرتده، فلما سألته عن ذلك طمعا فيه قال لي: إننا في التدريبات نلمس الأرض أحيانا بأقدامنا ونجثوا على ركبنا، فيلمس علم بلادنا تراب الأرض وهو مما لا يليق.
وهكذا تعظيم الظواهر والإشارات الوطنية.. فهل يكون الأمر هينا أو تافها؟!
تذكرت حيال هذه الحادثة والجهالة التي يغط بها من يفعلونها بشيخ الأزهر الراحل د- محمد سيد طنطاوي حينما كان في إحدى المؤتمرات، وسلم على كبير حاخ*ام*ا ت الي*هو*د، فقامت عليه المعارضة تسلخه سلخا، فكان رده المثير والمستفز: آني مكنتش أعرفه.
ورد عليه أحد العلماء يومها فقال له: ان كنت لا تعرفه فتلك مصيبة، وإن كنت تعرفة فالمصيبة أعظم.
غاية هذا الكلام أن الثقافة والوعي مهم لدى الأمة بمختلف شرائحها حتى لا يسوقها الجهل أن تعظم شعائر أعدائها.