في يومٍ سُمّي على اسم الإفاضة والغفرانِ، خَرِسَتْ أصواتُ الحياةِ على ضفتي القناةِ، إلا من همسِ الأسرارِ الكُبرِ ووشوشةِ القدرِ المُبرَمِ. كانت مصرُ قد أودعتْ في صمتِها دهراً مُترَعاً من الحزنِ، ومن عارِ النكسةِ ما كاد يَجبُأ الروحَ ويَطمس نَضْرتَها. لكن تحتَ سَمْكِ الصبرِ، كانت تنمو عزيمةُ الصَّوَّانِ وإرادةُ الفولاذِ الصَّلْدِ.
عند دَوِيِّ الساعةِ الثانيةِ، لم يعدْ هناك مُتَّسَعٌ للترقُّبِ. انبَجَسَتِ الصرخةُ؛ لم تكُنْ نداءً للحربِ، إنما إعلاناً لجَوْهَرٍ ضاعَ ثم استُعيدَ. ائتَلَفَتْ أصواتُ المدافعِ الرَّعَّادَةِ بخريرِ المياهِ المُجَلْجِلَةِ، حين انشَمَرَ الأبطالُ فوقَ الجسرِ المائيِّ، يُزلزلونَ بهيبةٍ تُنسِي الماضي خطَّ بارليفَ الذي وُشِمَتْ به خريطةُ المذلةِ والوَهْنِ.
تحوَّلَ الثَّرَى إلى شهادةٍ ناسعةٍ، والدمُ إلى نهرٍ من كبرياءٍ قشيبٍ. جنودٌ أرَّقهم الرَّيْبُ، وجدوا اليقينَ الماحقَ في قَبْضةِ البندقيةِ. اقتَلَعوا الأسطورةَ التي بُنِيَتْ على وَهْمِ القوةِ وزَيْفِ المَنَعَةِ. كانت المعركةُ استرداداً للبُقْعَةِ، استعادةً لإنسانيةِ الإنسانِ، لانتشالِ الكرامةِ المصريةِ من دَرَكِ الهزيمةِ.
حين عادَ العَلَمُ المصريُّ ليُرفرِفَ فوقَ مَضَارِبِ سيناءَ، لم يكُنْ نَسِيجاً باهتاً. كان فؤاداً ينبضُ بوشائجِ النصرِ، درساً أبديّاً بأنَّ الحقوقَ لا تُستجدى من ضَرَاعَةٍ، فقط تُنتَزَعُ انتزاعاً. كان ذاك اليومُ، مَفصِلاً بين زمنينِ، انبَعَثَتْ فيه مصرُ من رَمادِها المُحترِقِ لتُضيءَ للأجيالِ القادمةِ سُبُلَ العِزَّةِ والمَجْد






































