في أفق العمارة المتصلب، حيث الأجهزة الصماء تئز بصلصلة الشواغل، استقرت خلف هيكل عمل مصقول. تعاقر قهوتها السوداء. عيناها نار موقدة على زجاج الشاشة. هاتفها منقلب، لا يبدي إلا ظهره الأصم. صوت نقرها التمردي على المفاتيح هو إيقاع اللحظة الوحيد.
اقتحم يوسف المشهد، يحمل كأساً خاوية، قميصه سجن لوتر القلق. تسمر على حافة الضوء. رأى إصرار يديها.
"حصة الرهن الشهري ضوعفت. العقد الجديد أطلق يد الرخاء." تكلمت كقطع حجة، نظرها مرسوم على البيانات.
"حسناً." أطلق الكلمة كرصاصة ضلت هدفها. بقي كنصب.
أدارت كرسيها ببطء السيادة. "هناك زيادة في النعمة، سأستلم مركبة خاصة."
اشتد جسده. نظر إلى أصابعها التي عاودت عزف القوة. "متى انقطع هذا الرأي من دوني؟"
"لم ينقطع. تجسد. ستكون لي خيل المسافات بين فروع السلطة الجديدة."
خطا نحوها. "الخطر ينتظرك. أعين الحساد لا تنام. لا أجيز لك الانطلاق."
اندلقت ضحكتها، شفافة قاسية، تشبه تحطم وهم. "أنا من تقود هذا الكيان يا يوسف. لم أعد أحتاج صك إجازة."
رن هاتفها المنكفئ. ظلت هي جبلاً من صمت. ترنح بنظره نحو الجهاز. مد يده بوهن.
"اثبت." كان صوتها كإيقاع رعد.
سحب يده. شعر بخواء مريع.
في قاعة الحكم المعقمة، كان يمسك قلماً كقشة. نظر إليها، منحوتة في بهاء متجمد. سأل القاضي: "أتعودان إلى رباط المودة؟"
هزت رأسها بثقل اليقين. شعرها المنسدل خيط من إرادة صلبة.
وقع على الطلاق. شعر بخفة الوجود.
بعد مواسم عابرة، في رحاب المطار الزجاجي، كانت تجر تابوت سفر أحمر. على منكبها، مخزن عقلها المهني. عيناها تضجان بزفير الاحتمال.
كانت أمها تنتظرها. وضعت الأم في كفها شيئاً بارداً ووقوراً: مفتاح نحاسي مهزول وخرقة ورق مطوية.
همست الأم: "أبصري حقيقته بعد الإقلاع." ثم انسحبت.
فتحت لغز الورقة تحت سوط ضوء المطار. خط أمها قال:
"المفتاح لمغرس العزوبة قرب المرسى. أعددتها كجسر منفرد منذ كان عهدك في الجامعة. ستجدين في المغرس من يرتقبك. هو يطلب معايشة بلا شروط المواثيق. وافقي على فقِه المرحلة الآتية."
شخص بصرها. ألقت نظرة على صمت المفتاح العتيق، ثم على رقعة عبورها الجديدة. دبَّ البرد من باطن كفها إلى أطراف عنقها.
أدارت ظهرها للزجاج. نظرت إلى حمرة حقيبتها وهي تتدافع على الرخام اللامع. صوت دوران العجلات كان كدقات بندول خانع.





































