نظرت إليها وهي تمسح حبيبات العرق المتناثرة على جبينها. كانت تلهث. وبالكاد أنفاسها تروح وتجيء.
سألتها: ما بكِ يا حاجة؟!
قالت: آهٍ يا بني! أنا كبرت كما ترى ولم أعد أقوى على العمل.
قلت: أتعملين وأنت في هذه السن؟!
قالت: أجل! منذ عشر سنوات وأنا أكد ليل نهار، في المزرعة التي ورثتها عن زوجي الذي وافاه الأجل إثر حادث أليم.
قلت: آسف أنا لاستِمطار أحزانك! لكن أليس لك أولاد؟!
هزت رأسها يأساً. تنهدت. أرسلت زفرة عميقة.
ثم قالت: وما فائدة الولد إذا كان عاقاً؟!
قلت: كيف ذاك؟!
قالت: لدي ولد لكنه وللأسف عاق. مدمن مخدرات. بعد وفاة والده انصاع يلهث وراء شهواته الشيطانية. أغوته فتاة مومس بالمال. اتخذته ستارا لترويج السموم البيضاء؛ وهو الآن وراء القضبان يقضي عقوبته بأحد السجون بالعاصمة.
جلست مفترشة إكليلاً على أرض عارية، باردة كإسفلت الشارع في آخر الليل!
وأخرجت صرة بها بعض الخبز، ووضعت إبريق الشاي على النار التي كانت أكبرتها وهي تسرد لي تفاصيل انحراف ولدها. رجتني أن أشاركها طعامها ريثما ينضج الشاي. لم أتردد إذ كنت تواقاً لتناول خبز (التنور). دنوتُ منها وجلستُ القرفصاء. ناولتني كسرة خبز. رحت أقضمها. لحظات وجيزة ونضج الشاي. أعطتني فنجاناً، ارتشفْتُ منه رشفات متتالية؛ تسللت إلى أوصالي باعثة الدفء في جوارحي. وأنا أتدثر بالمعطف معتدلاً في قامتي، ودعتها وأنا أرثي لحالها.