في جوف جبال أكاكوس الصامتة، حيث تنحت الرياح التماثيل الحجرية، لم يكن الكبش سوى أسطورة حية. كانت عظمته في نظرة عينيه الذهبيتين، وفي أسنانه التي تبرز كأنصال قديمة. كان صوته صوت الصخر، وحركته ظل.
تسللت أسطورة إلى مسامعه: "عين السراب الخالد" في وادي "ظل الريح". نبع يمنح شاربه حكمة الصحراء. في ليلة حالكة، ودون كلمة، انطلق.
عبر ممرات لم تطأها قدم. قاوم حرارة الشمس والرياح التي كانت تصفع وجهه. وصل إلى الوادي، في قلب صخرة تشبه وجه شيخ حكيم، وجد العين. ماؤها يتلألأ كجوهرة قديمة. ظل يحدق في انعكاسه، فرأى نفسه لأول مرة: وحشاً تائهاً.
في تلك اللحظة، سمع أنيناً خافتاً. تبعه، فوجد كبشاً صغيراً، عالقاً بين فكي صخرتين، لا يستطيع الحراك. كان الصغير ينظر إليه بخوف.
مد قرنيه العملاقين بحذر، وبدأ بتحريك الصخرتين ببطء. كانت مهمة تحرير الصغير أصعب من أي مسير في الصحراء.
بعد جهد مرير، تحرر الصغير. لم ينطق بكلمة. عاد إلى العين، ونظر إلى انعكاسه مرة أخرى. رأى شيئاً مختلفاً. ترك العين، وعاد أدراجه.
حين عاد إلى قطيعه، لم يروِ لهم قصة النبع. لكنه في الأيام التي تلت، كان أول من يكتشف مواقع العشب الجديد، وأول من يدافع عن الصغار. كانت عيناه الذهبيتان تلمعان الآن بحكمة مختلفة، حكمة لا تحتاج إلى نبع، بل تنبع من القلب. لقد عاد. استحال وحشاً. عاد قائداً.