كانت غرفة صالح الصغيرة المطلة على صخب الشارع، شاهدًا دقيقًا على تآكل الأيام. لم يعد يراها كشرائط زمنية مجردة. استحالت كنوافذ تتناوب على روحه.
تفتح نافذة الجدل صباحًا: يبدأ اليوم بنقاشاته المعتادة والحادة مع زوجته حول تكلفة الكهرباء، أو بصوته المحتد وهو يشاهد نشرة الأخبار التي تعكس تناقضات العالم. كانت كلماته كقذائف عابرة تصيب جدران البيت، لكنه كان يظن في مرارتها أنه ينافح عن حقيقة مفقودة.
ثم تنغلق تلك النافذة لتشرق نافذة التمنيات ظهرًا: يرى انعكاس وجهه على زجاجها البارد، فيحلم ببيت أرحب، سيارة تغنيه عن الشكوى، أو مجرد يوم يمر دون خصام. يدون تلك الأماني في مفكرة صغيرة، خطوطًا يرجو أن تنحت مسارات جديدة لمستقبله.
ومع انطواء الليل، تحل نافذة العبرة. يجلس صالح وحيدًا في صمته المعتاد، يمرر أصابعه على خطوط كفه، يستعرض ما مر به. كان يظن أن العبرة هي تلك الحكم العميقة المكتسبة من الكتب أو التي تنبع من أخطائه الكبيرة.
في ليلة هادئة، وبينما كان ينتظر العبرة أمام النافذة، مرر يده على كفه متفحصًا نقوشها. صُدم عندما لاحظ بوضوح أن خطوطها الرئيسية، خط الحياة وخط المصير، لم تكن سوى أرقام فاتورة الكهرباء. لقد تسرب حبر توقيعه الغاضب على الجدالات، ومُزج بـرسومات الأماني الرقيقة في المفكرة، ليحفر تجسيدًا صامتًا لجدالاته وتمنياته التافهة التي نحتت مصيره.
بينما كان صالح يظن أنه يفتح النوافذ، أدرك أن النوافذ هي التي تُغلقه وتُحصره في المصير الذي صنعه بتفاصيل يومه المملة.





































