قيظ يلسع الوجوه المتيبسة. صراخ جوع صامت يعتصر. تدافعت أطياف نحيلة. أذرع امتدت كأغصان ذابلة، تحمل قدورًا خاوية كأفواه فاغرة، وأطباقًا نُهب منها حتى الهواء. في قلب الحشد المائج، طفلة بعينين غائرتين كبئرين جافتين، ووجه نُحت عليه الشقاء، تصدر صرخة بلا صوت؛ تجمدت في حنجرة أرهقها العدم. كانت الجموع تلهث خلف سراب، أملًا في قطرة تروي جفاف أرواح.
فجأة، وكأن صاعقة نزلت، سكن الحشد. لا حركة، لا همس، سوى حفيف الموت الوشوشي. تساقطت القدور من أياد لم تعد ترتجف، وتناثرت الأطباق بلا ضجيج. عيون لا تُحصى أُغمضت إلى الأبد، وشفاه تشققت ابتسامة باهتة. الصبية التي كانت تصرخ، استكانت سكينة مريبة. رفعت رأسها المثقل، ورمقت الأفق بنظرة خالية من الجوع.
وبينما ظلال الغياب تبتلع الأفق، لاح من بعيد رجل يجر عربة يفيض منها عبير الخبز الساخن، ويترقرق منها ماء زلال. وصل، ووقف حائرًا، ذراعاه تتأرجحان كشاخِص ساعة توقفت، أمام بحر من الأجساد الهامدة. لم يجد يدًا تمتد، ولا فمًا يتلهف. ألقى نظرة أخيرة على الطفلة الساكنة، ثم على القدور الفارغة التي لم تعد تنتظر ملئًا.