هنا يتبقى الصمت شاهدا، أعمى، صلد كقسوة اللهيب المجمد.
عمود، صلب كجفاء التاريخ، يرتدي سكونه الأبدي كغطاء إسمنتي مبلل بدموع العابرين. حول خصره، تعقدت حبال الرجاء المجزأ، شوك متآكل يثبت حدود القدر.
ومن متن القسوة، انبثقت "روز". ليست زهرة، وإنما صرخة مدمجة بالدم القاني. لونها تمرد، ونداها اعتراف بأن الجمال لا يموت إلا حيث يسجن. عروقها توشجت خفية في جسد السياج، متخذة من الشوك حضنا، ومن الصخر مهدا.
كان الجانب الآخر يتنفس عبيرها بحسرة. يد امتدت دهرا لتلمسها، فاصطدمت بوعد الجفاء الشائك. هي رمز حرية قتلت، تنتظر الفداء من قفصها الإسمنتي الموحش.
عند مطلع الوجع، اهتزت قطعة الجدار. كانت قبلة الفراق.
حين دنا القاطف ليسرق روحها، متجردا من إثمه، وجد النور ينسحب من لونها. هي الآن تفاحة الخلود، لكن من سجن العدم.
مد يد السارق، واجتثها.
الفاجعة: لم يكن جذعها سوى وتد دموي، كانت الوردة قناعا. عندما انسحبت، انفكّت عقدة الشوك بصوت عميق، ليكشف المشهد أن الذي سقط لم يكن جسدا، إنما سلاسل. وفي مرقدها المنزوي، وسط بقايا الندم والمطر، تركت وصيتها:
مفتاح صدئ، كان مغروسا في قلب القضيب مكان النبتة تماما، ينزف حرية.
الزهرة كانت الرهان الأخير لتضليل المنفى.
كاتب وقاص ليبي





































