كانت المدينة تتنفس بصعوبة. كل شارع فيها رئة مثقوبة تبُصُّ غُبَار الإسفلت. في ذلك الصمت المتآكل، اِجترَّ خطواته نحو البئر. لم يبحث عن ماء؛ كان يستجدي لؤلؤة الضوء من عمق العتمة.
مرَّ بوجوه المارَّة، جِرارٍ خزفية فارغة، محطمة الأطراف. حاول أن يرمي عليها كلمة، لكنها ظلت صرخة طفل لم يُولَد بعد، معلقة كحبل مِشنقة حريريّ.
القلب كان بوصلة جنونية، يُشير بهوس نحو نقطة الصفر المتوهجة. سأل نفسه مرة أخرى: "كم مرة سنعبر نهر السكون بمركب من ورق مُحترق؟"
عند حافة البئر، نظر إلى الأسفل. الزمن قنديل مُطفأ. سمع حفيفًا، كأن العُزلة اِرتدت معطفها الشتويَّ خلفه مباشرةً. مدَّ يده ليلمس الجدار الرطب.
لم يجد جدارًا. سقطت يده في الفراغ. لم يكن هناك حفرة، ولا قعر. البئر المعتم لم يكن سوى ظله الواقف، الذي اِختفى تمامًا حين اِنسدل عليه ليل كبُستانيٍّ عجوز يروي أشجار الصمت بماء النسيان الثقيل.





































