تناثرت الأقدام الغريبة في سوق "باب الأثر" كحصًى منثور، كل منها يحمل عبء سماء مطحونة. أحدهم، بجلد ليلكي، كان يجمع ما تبقى من شتات كرامته في طيات عرقه المالح. عيناه، جزر محاصرة، تلاحقان ظلًا لرغيف بائت.
صوت صفعة، كتصدع في جدار الصمت المقدس، اهتز له الشارع. لاهث متورم الأوداج، بجلبابه الأبيض الناصع الذي يكاد يصرخ بالتقوى، يجر الأفريقي من تلابيب صدره الممزق. كان ينفث وباء القانون في وجهه المنهك.
على بعد أمتار، توقفت سيارة فارهة بلون الخطايا المغفورة. من نافذتها، خرج كف مخضب بذهب الشبهات، يلوح لصاحب الجلباب بإشارة انتهاء.
تخلى المتعصب عن فريسته، مسرعًا نحو السيارة.
فتح الباب لراكبتها الأنيقة ذات الشعر الأشقر، ثم انحنى بخضوع كامل ليقبل يدها.
كان همسه يكاد يُسمع:
"أجل يا سيدتي، سأنفذ أوامر حضرتك. لكن أرجوكِ، لا تنظري إلى هؤلاء الهمج. دعينا نعود لترتيب أوراقنا مع المستثمر (التركي) الجديد الذي أرسله لنا (القنصل الأمريكي)."
في تلك اللحظة، رفع الأفريقي المصفوع بصره. كان يحمل في عينيه، بدلًا من الخوف، قشعريرة واحدة هادئة من السخرية الباردة.