الإهداء: إلى روح ابني فراس.
كان "أبو الحكمة"، شيخ من أهل غزة، وجهه خارطة لخذلان قديم. في كل ليلة، كان يجلس في خيمته البالية، يرقب أسوار المدينة وهي تتآكل، ويراقب منارة الشرف وهي تحتضر.
ذات ليلة ، دخل عليه "سند". شابًا في مقتبل العمر، لكن في عينيه شيخوخة من اليأس. جلس وقال بصوت خافت، وكأنه يخشى أن يسمع الصمت ما يقول: "يا أبا الحكمة، لقد طرقت أبوابهم، صرخت في أسماعهم، لكنني لم أجد إلا جدرانًا من الصمت. ألا يوجد من يسمعنا؟"
نظر إليه أبو الحكمة، لم يقل شيئًا. فصراعه كان أقدم من صراع "سند". كان قد أرسل إليهم هو أيضًا، لا بالكلمات، بل بالدم الذي نزف من قلوب أهل غزة، لكن أسوار قصورهم كانت أشد صمتًا.
اهتزت الأرض من تحتهم. ركض "سند" إلى حيث اشتعلت النيران.لم يعد. في الصباح، وجد أبو الحكمة جسده الهامد. على صدره، كانت قطعة قماش ملطخة بالدماء.كتب عليها بيده: "لا تبكوا علينا، بل ابكوا على حال أمة تاهت عن الحق".
عندها، أدرك أبو الحكمة أن الكلمات قد ماتت، وأن الصمت هو سيد الموقف. رفع يده.قبض على الحجر. نقش رسالة "سند" على صخرة عظيمة، ليتركها شاهدًا أخيرًا على تاريخ خذلان لا ينسى.
كاتب وقاص ليبي