سقطت سندس أمام شاطيء الإسماعيلية، ودموعها أغزر بكثير من أمواجه، بين صرخة مكتومة، وضحكة سخرية على حالها فتذكرت حالها منذ عامين عندما قتلتها الأحزان، ولم تعلم حينها على من تحزن على حبيبها الذي توفي عندما كان يعمل لصالح شركة والدها بلندن أم على خسارة الشركة الفادحة، و إعلان إفلاسها!!
تعرفت على مهند في أحد الكافيهات أحبته من أول وهلة بشعره المجعد، وثيابه المنمقة الكلاسيكية، سماره الجذاب. وحيدة حائرة لا يوجد مقاعد فارغة بالكافية فجلس على نفس الطاولة، ثم تدريجيًا تبادلا أطراف الحديث لا تعرف متى وكيف نبض قلبها بحبه؟! هي التي صدت الكثير من الشباب استسلمت له من أول كلمة تمت خطبتهما عاماً كاملاً أثبت فيه مهارته في العمل بشركة والدها، اكتسب ثقته أيضًا كان هناك صفقة كبيرة إذا حصلت عليها الشركة ستكون حينها من الشركات الأولى على مستوى العالم، لكن إذا خسرتها ستضع الشركة على محك الإنهيار.
أقنع مهند والدها أن الصفقة تستحق المجازفة ويجب الخروج من نطاق دائرة الصفقات المضمونة للتوسع عالميًا، قام مهند بعمل كل إجراءات الإشتراك بالصفقة، وسحب كل المال اللازم الذي كان أكثر من نصف ما تملكه الشركة، و استعد للسفر تتذكر جيدًا يومها أنه ودعها كأنه الوداع الأخير، اتفقا أن يوم عودته سيكون يوم حفل زفافهما، لكن جاء خبر وفاته مع خبر خسارة الصفقة بنفس اليوم تحول الفرح لجنازة والفستان الأبيض لكفن مع ضياع أحلامها ومرض والدها الذي أنهى حياته نتاج صدمة الخسارة، و الافلاس دخلت في دائرة من الأكتئاب لم تخرج منها سوى بالعمل في إحدى المجلات أصبحت كالرحالة كل يوم ببلد ومدينة تلتقط العديد من صور الطبيعة الملهمه لها قبل القاريء، حتى وصلت لمدن القنال، وما بها من سحر ضخامة السفن رغم سيرها بخفة، ورشاقة الفراشات فوق المياه، إمتزاج الشمس مع المياه كأنهما أحبة لا نستطيع التفرقة بينهما، مهما حدث.
بليلة ممطرة مطر كندى رقيق وظهور ألوان الطيف تشق السماء ظهرت باخرة صغيرة في منتصف بحر الإسماعيلية الناعم كحبات لؤلؤ ألتقطت سندس صورة لهذا المشهد الرائع وتخيلت أنها ستحصل على العديد من الجوائز وخاصًة أن طيور النورس الراقية تحوم بالمكان بكل انسيابية، عادت للمنزل لتفرغ كاميراتها التي تعتبر صديقتها الوحيدة؛ لترسل أعمال اليوم للمجلة.
نظرت للصورة التي تعتبرها أجمل الصور على الإطلاق، عند تدقيقها النظر وجدت شاب يقف مع فتاة بداخل الباخرة ضحكت بداخلها في البداية لتخيلها أنهما عاشقين، لكن كانت الصدمة عندما حاولت تكبير الشاشة، لترى ملامحهما، أيمكن للميت أن يحيا من جديد، أم الشبة قد يكون قريباً لهذا الحد، الشعر المجعد والعيون العسلية ، ولكن هذه المرة بثياب مناسبة للبحر أكثر، ذهبت سريعًا لنفس الشاطيء، لكنها لم تجد الباخرة كأن البحر قام بإبتلاعها، بحثت عن شخص مسؤول، حتى وجدت رجل كبير، يدعى استاذ جمال سألته اخبرها أن صاحب الباخرة رجل الأعمال صالح إبراهيم، وكانت ابنته مع خطيبها بالباخرة اليوم، حصلت منه على عنوانه ثم أسرعت بالذهاب وتمنت أن يكون ما رأته من خيالها، وليس حقيقيًا، أمام الفيلا والحديقة الواسعة طلبت مقابلته وبالفعل دخلت مكتبه، كان هناك العديد من الصور، حتى وقع من يدها إحدى البراويز فلم تتحمل أنه حقًا هو..! يقف بابتسامته الجذابة التي دوماً كانت تبهرها، وبجواره فتاة في منتصف العشرين شقراء ممسكة بيده
دخل حينها استاذ صالح إبراهيم وجدها تجلس بصمت، ودموعها تنهمر أمام البرواز المكسور
حاول تهدئتها ثم جلست أمامه وسردت له كل شيء، في البداية لم يصدقها ولكن كانت تحتفظ بصورهما معًا، وكلامه لها حتى اوراق الصفقة التى دمرت حياتهم صورها كانت على هاتفها المحمول، بعد اطلاعه على كل هذا قام فزعًا لأن خطيب أبنته رامي سيسافر اليوم بعد ساعة لإتمام صفقة بباريس ، نفس السيناريو، كأنه يعيد نفسه أمامها حتى أخبر ابنته أنه عند عودته سيتم الزفاف ذهبا إلى الشرطة ثم تحركت معهما إلى المطار؛ لتلحق به، مع رؤيتها له زادت خفقات قلبها، تمنت أن يكون تخيلًا أو كابوسًا لكنه حقيقة أمامها ضاق صدرها، لم تتحمل وهجمت عليه وأمسكت به وهي تصرخ بالرغم من محاولته الهروب أستطاعت الشرطة الإمساك به، وبعد الضغط عليه من رجال الشرطة، اعترف أنهم عصابة من خمسة رجال يقومون بعمل بحث عن رجال الأعمال الأغنياء، ويحاولون التقرب منهم بشتى الطرق؛ للحصول على ثقتهم ثم تبدأ عملية النصب وسحب مبالغ طائلة منهم لصفقات وهمية، ثم تزوير شهادات وفاة، ووثائق لا أصل لها لخسارة الصفقات، وكل شيء مزور حتى أسمائهم، لم تصدق انها كانت مجرد لعبة لنصاب تقرب منها للنصب على والدها.. يا لسخرية القدر..!
تم القبض عليهم جميعًا بعد مرور شهر من القضية، لكن لم تتعافى سندس بعد، فدموعها كانت أكثر من مياه شواطيء القنال، اقترب منها، وأمسك بيدها نظرت فإذا هو عمرو أحد الضباط ابتسمت له ابتسامة باهتة، تم دفن إشراقتها مع مرور الزمن .. هل سيعيد الزمن خفقات قلبها، وروحها التي تم وأدها؟!
هي حقًا لا تدري فما حدث كان أكبر بكثير من قدرتها وتحملها..