كأننا نتنفس المجد من جديد.
عشنا معًا سنواتٍ طويلة، تقاسمنا فيها شقاء الحياة وبهجتها، خضنا معاركها المتنوعة، تارةً نربح، وتارةً نخسر، ثم نعود فنربح ونخسر من جديد. لكننا، وسط ذلك كله، ظللنا نُرحّب بذواتنا النقية، ونعتز بأننا ربحنا أسرتنا، وربحنا من كانوا لنا سندًا في دروب الحياة. لم نتغيّر على من رافقونا، ولم نبع وفاءنا بثمن.
لم تبدّلنا المواقف، ولم تنكسر أرواحنا تحت ثقل الأيام. فمنذ البدء، عرفنا كيف تُبنى العلاقات، ومن أجل ماذا تُبنى. وضعنا مصالحها حيث يجب أن تكون، دون أن نربطها بحسابات الأنانية والربح السريع. كنا نعلم أن العلاقات التي تتأسس على النفع العابر سرعان ما تهوي، مهما بلغت من القوة ظاهرًا. وما كان يُحمد لنا أن القدر سَخَّر في طريقنا أناسًا كانوا لنا سندًا وعنوانًا في الأوقات العصيبة.
فكيف نسمح لأنفسنا أن نطأ هذه القيم النبيلة لمجرد مصالح، قد لا تساوي شيئًا أمام المعاني الكبرى: المعرفة، والإنسانية، وروح العلاقات التي تُبنى على المحبة لا المنفعة؟ كيف نرضى أن نُبدد روابط يمكن أن تكون صلبة، متماسكة، لا تهزمها أي قوة خارجة؟
نحمد الله أننا أدركنا هذا في وقتٍ مبكر، ونحمده أن وهبنا من يشبهوننا في الرؤية والمواقف، بل من هم أكثر نبلًا منا في لحظات كثيرة.
واليوم، ننظر من حولنا فنجد من يصنع أجمل العلاقات وأحكمها، لكنها – للأسف – لا تعيش طويلًا. ومع اقترابنا من بعضهم، اكتشفنا أن المال كان هو الغاية، وأن المصلحة أفسدت تلك الروابط كما يفسد البرق صمت السماء قبل أن يتبعه صوت الصاعقة.
لست أنكر أننا بشر، نصيب ونخطئ، نُسيء التقدير أحيانًا، سواء في المال، أو في قراءة المواقف السياسية، أو في تحليل العلاقات الاجتماعية.
لكن الخطأ في التقدير لا يجب أن يكون مبررًا لنُخضع علاقتنا كلها لميزان المصالح.
فبناء العلاقات قد يكون سهلًا، لكن اختبارها الحقيقي يظهر في لحظة التحدي، في مدى قدرتنا على حفظها، لا في مجرد بنائها.
فهل نعجز حقًا عن التدخل حين تبدأ العلاقة في الانهيار؟
هل نتركها تتفكك وتضيع دون أن نحاول؟
لا يمكننا الجزم بأننا ننجح دائمًا في إصلاح كل شيء،
لكن بإمكاننا أن نؤكد بأننا نملك الرغبة والقدرة على حفظ ما تبقى،
إن أُتيحت لنا المساحة، وإن فُتح لنا باب للتعبير عن صوتنا ورأينا.
نيتنا، كانت وما زالت، لا تسعى إلى خراب البيوت،
بل إلى جمع القلوب، وفهم سرّ بقائها.