في مجتمع الريف، تبدو الحياة كما لو أنها خارجة من كتاب قديم، لا وجود فيه لاتفاقيات كـ"سيداو" أو ما شابه من مواثيق حقوق المرأة والطفل. لست هنا بصدد الشفقة على النساء فحسب، بل حتى الأبناء الذين يُبنى مستقبلهم الزوجي منذ نعومة أظفارهم، على اختيارات الآباء لا اختياراتهم.
لا يقف الأمر عند تدخّل الأهل، بل يتحوّل إلى فرض قاطع، حيث يختار الأب لابنه بنت أخيه، ويخطبها له دون أن يُؤخذ رأي أحد. وإن رحل الأب - لا قدّر الله - يكون قد ترك وصية صريحة بأسماء الزوجات والأزواج لأبنائه وبناته. وكأن الحياة تُكتب قبل أن تُعاش، ولا مجال للتراجع أو السؤال.
لا يُمنح الأبناء خيار القبول أو الرفض، فالقرار قرار "الولي"، سواء كان أبًا أو عمًّا، وقد يتم تزويج القاصرين قبل أن يبلغوا الخامسة عشرة من العمر، في مراسم تُعدّ عادية في مجتمعاتنا، لكنها في نظر العالم، جريمة مكتملة الأركان.
أذكر أنني كنت في الثالثة عشرة من عمري عندما ذهبت إلى المدينة لألتحق بالمرحلة المتوسطة. في أحد الأيام، وأثناء حفل زواج شقيق أحد زملائنا، جمعتني الصدفة بإحدى التلميذات، فسألتني مازحة:
"عقبال نفرح بيك في عرسك!"
كان سؤالًا عابرًا، نسمعه كثيرًا في المناسبات، لكنه عندي كان أقرب إلى الحقيقة. ابتسمتُ وقلت لها بثقة:
"ما حتنتظري كتير."
ضحكت، وقالت ساخرة: "إنت لِسع شافع!"
لم تكن تعلم أنني قادم من مجتمعٍ لا ينتظر البلوغ ولا يسمح بالاختيار. لم تكن تدري أن والدي أكمل جميع الترتيبات، ولم يتبقّ سوى أن أعود من المدينة لأُزفّ إلى بنت عمي. وعندما عدت في عطلة نهاية العام، وجدتُ كل شيء جاهزًا: البيت، الدعوات، ومراسم الزفاف... كل شيء إلا أنا.
تم زواجي فعلًا، وكان ذلك أقرب إلى الخيال، لكنه في مجتمعنا أمرٌ عادي، لا يُثير الدهشة ولا الغرابة.
هكذا نحن في الريف، نحيا وفق قواعد قد لا تُفهم خارج حدودنا، نُحكم بنصوص غير مكتوبة، تُسلب فيها الإرادة قبل أن تنضج، ويُحتفل بزيجات لم يُقرّرها أصحابها، بل خُطّت بمداد الطاعة والولاء، لا الحب والرغبة.