تقديم:
تنظر (جوليا كريستيفا) إلى النص (كجهاز عبر لساني يعيد توزيع نظام اللسان عن طريق ربطه بالكلام التواصلي، راميا بذلك إلى الإخبار المباشر، مع مختلف أنماط الملفوظات السابقة و المعاصرة ).
من خلال هذا التعريف يمكن تحديد النص كإنتاجية، يعني أن علاقته باللسان الذي يقع فيه علاقة إعادة توزيع (هدم ـ بناء)، لذلك فمن الواجب معالجته من خلال مقولات منطقية و ألا نقتصر على المقولات اللسانية المحضة، و من ناحية أخرى فإن النص يعتبر تبادل نصوص أي تناصا، إذ نجد في فضاء النص عدة ملفوظات مأخوذة من عدة نصوص تتقاطع و تتحايد.
تبين جوليا كريستيفا في مقالة لها تتعلق ب ( النص وعلمه ) : أن للنص توجهين:
الأول : يكمن في ميل النص نحو النسق الدال الذي ينتج فيه ( تعني بذلك اللغة و اللسان ف عسر و مجتمع معين)
ــ الثاني : يتجلى في ميله نحو المسار الاجتماعي الذي يسهم فيه باعتباره خطابا.
و مرورا بالسميولوجيا التي تتعامل مع النص باعتباره من الخطاب تصل كريستيفا إلى اعتبار النص إيديولوجيما أن تلك الوظيفة التناصية التي يمكننا قراءتها و هي تتمظهر على مختلف مستويات بنية كل نص بصورة مادية و تمتد من خلال صيرورتها، تمنحه كل مطابقاتها التاريخية، و الاجتماعية، و هكذا فإن السميولوجيا تنظر إلى النص من حيث خصوصيته الإنتاجية، لا كمنتوج، و لكن كدليل منفتح و تعدد الدلالات، الشيء الذي سنجد معه أنفسنا أمام ما تسميه جوليا كريستيفا بالتدليل من خلال بحثها عن تعدد دلالات النص و بواسطة هذه المميزات يبرز ما يدعى بالتحليل الدلالي (Semanalyse) الذي يطلق من اللسانيات باعتبار النص ينتج من خلال اللغة.
و توضح كريستيفا أن هذه السميولوجيا (نظرية الدلالة النصية) أو (التحليل الدلالي) رغم انطلاقه من اللسانيات إل أنه يتجاوزها كعلم، لأن النص ليس مطهرا لسانيا، هذا العلم ـ التحليل الدلالي ـ يجعل النص موضوعا ديناميا، مستعملا معارف و علوم متعددة، تقدم له النماذج و المفاهيم الإجرائية كالسميوطيقا
و التحليل النفسي و العلوم الرياضية و المنطقية و اللسانية بالإضافة إلى أنه يستفيد أيضا من العلوم الاجتماعية و الفلسفية التي تجعله يحتل موقعا معرفيا ماديا ضمن باقي المعارف.
أما (بارت) فإنه يرمي إلى أن النص بمعناه الشائع هو ذلك (السطح الظاهري لنسيج الكلمات المستعملة و الموظفة فيه بشكل يفرض معنى ثابتا وواحد إلى حد بعيد، و هذا السطح قابل للإدراك بصريا من خلال عملية الكتابة التي تجعل منه موضعا مؤسسيا يتصل تاريخا بالقانون و الدين و الأدب. و يسجل بارت أهمية (التحليل الدلالي) و ما نتج عنه من مفاهيم نظرية ، كشفت عن خصوصية النص و تميزه، و تتمحور حول الممارسة الدالة و الإنتاجية و التدليل و النص الظاهر و المكون و التناص، مؤكدا على ريادة كريستيفا في هذا المجال.
و يتعرض بارت إلى وجوب التمييز بين النص و العمل، فالعمل الأدبي كما يبين بارت هو ما يوجد على رفوف المكتبات أو هو ما يمكن إمساكه باليد أما النص، فتمسكه اللغة، و لما كان العمل منتهيا فإن (الدليل) هو الذي يجعلنا أمام فكرة أن العمل منته، و بالإضافة إلى ذلك فإن بارت ميز بين مختلف التجليات اللسانية، مؤكدا أن كل تجل لغوي سواء أكان موازيا للجملة أو أقل منها ينتمي إلى اللسانيات، و أن ما هو أكثر من الجملة ينتمي إلى الخطاب كموضوع لعلم معياري هو البلاغة أو ما طرأ عليه مع الأسلوبية و البلاغة من تغيير، لكن محاولات تحليل الخطاب كموضوع لعلم معياري هو البلاغة أو ما طرأ عليه مع الأسلوبية و البلاغة من تغيير، لكن محاولات تحليل الخطاب كلها تختلف عن (التحليل النصي) لأنها إما متجاوزة (البلاغة) أو محدودة ( الأسلوبية) أومرتبطة بذهنية متالسانية تضع نفسها خارج الملفوظ و ليس داخل التلفظ.
أما (بول ريكور) فإنه يقدم لنا تصورا متكاملا لما يسميه (نظرية النص) من خلال كتابه (من النص إلى العمل) فهو يستنتج تعريفه للنص ضمن إشكال إبستمولوجي كما هو الآن عند (بيير زيما)، و هذا الإشكال يتعلق بالشرح و التأويل عند (ديلتي). فالشرح عنده يتصل بالعلوم الحقة، أما التأويل فإنه شكل مشتق من الفهم يرتبط بالعلوم الذهنية أو الفكرية، و انطلاقا من أن الشرح لم يبق متصلا فقط بالعلوم الطبيعية بل أصبح ممكن الانجاز مع اللسانيات كما أن التأويل مع الهيرمينوطيقا الحديثة أبتعد عن البعد الذاتوي الذي كان يطبعه الفهم، من كل ذلك يحاول ريكو إقامة (نظرية النص) معتمدا على الهيرمينوطيقا النقدية كما يسميها و من هذا المنطلق أيضا يعرف النص أنه كل خطاب مثبث بواسطة الكتابة. من هنا، يختلف النص عن الكلام، فالكتابة تعتبر مؤسسة لاحقة بالكلام استعملت لتثبت بواسطة الخطية ـ الكرافية كل التمفصلات التي تجلت شفويا سابقا، و بذلك ترتب بعملية القراءة، الشيء الذي يجعل النص مختلفا عن الكلام الذي تكون فيه العلاقة مباشرة بين المتكلم و المستمع فالكاتب لا يصبح موجودا إلا من خلال النص.
و لتحديد تعريف للنص اعتمادا على الأراء السابقة يمكن القول إن: ( النص بنية دلالية تنتجها ذات (فردية أو جماعية ضمن بنية نصية منتجة و في إطار بنيات ثقافية و اجتماعية محددة.)
و من خلال هذا التعريف نتوصل إلى أن الخطاب عبارة عن مظهر نحوي، يتم بواسطته إرسال القصة، و النص مظهر دلالي يتم من خلاله إنتاج المعنى من لدن المتلقي إنه تميز إجرائي تفرضه دواعي التحليل و حدوده، فالنص كبنية دلالية يتم إنتاجه من خلال الكتابة (الكاتب) و القراءة (الفارئ)، ضمن بنية نصية منتجة سلفا معنى ذلك أن الذات تنتج الدلالة النصية انطلاقة من خلفية نصية تم تشكيلها من خلال التفاعل مع نصوص سابقة و في مراحل متعددة.
نستنتج مما سبق أن النص يقوم على مكونات ثلاثة هي كالتالي:
(1 ـ البناء النصي: ضمن بنية دلالية تنتجها ذات.
2ـ التفاعل النصي: ضمن بنية نصية منتجة.
3 ـ البنيات السوسيونصية: في إطار بينات ثقافية محددة.
و على هذ الأساس يمكن تبني منظور لوسيان غولدمان الذي يحتم عدم إغفال جانب التحليل الداخلي للنتاج و اندراجه ضمن البنيات التاريخية و الاجتماعية و عدم إغفال دراسة السيرة الذاتية و نفسية الفنان كأدوات مساعدة، خاصة و أن العلاقات بين البنية و التكوين عنده، هي علاقة جدلية تشبه إلى حد كبير علاقة الجزء بالكل، فالنص الأدبي يمكن أن يوضح البنيات التاريخية و الاجتماعية كما أن هذه البنيات يمكن أن تضيء النص الأدبي.
إن النص الأدبي يقدم رؤية منظورية للعالم، أي رؤية المؤلف، و هو أيضا في حد ذاته مكون من منظورات متنوعة ترسم رؤية المؤلف و تسهل بلوغ ذلك الشيء الذي يبغي على القارئ تصوره، و لهذا فإنه من المسلم به، على العموم أن النصوص الأدبية تأخذ حقيقتها من كونها تقرأ، و هذا بذوره يعني أن النصوص يجب أن تحتوي مسبقا على بعض شروط التحيين التي ستسمح لمعناها أن يجتمع في الذهن المتجاوب للمتلقي.
و إذا كانت ماهية النص الأدبي نسيجا و لحمة وجدلية و اندماج، فإنه من الضروري مراعاة مشكلة القيمة ذلك أن كل نص يمكن أن ينجز أو يقرأ كنص ديني أو جغرافي أو طبي في وقت ما، كما يمكن أن يثمن كنص أدبي في وقت أخر، من هنا فإن المراسلات، و المذكرات و السير الذاتية، و الأبحاث و الدراسات النقدية و الخطابات و نصوص الرحلات... الخ تؤكد مدى اتساع (المجال الوسيط) المتجدر في الحياة العادية، و الذي يشكل جسرا بين الأدب "الخالص" في العمق و النصوص " الخصوصية الصحفية و العلمية" و هذا يعني أن قيمة النص ترتبط بعلاقة ثلاثة عناصر: القارئ و قدراته ، تراتبية قيمة المجموعة الاجتماعية التي ينتمي إليها، و أخيرا النص في سياقه، و من ثم، فإن تعريف الأدب بطريقة لا ترضى سوى مجموعة من القراء، و لا تفترض سوى تراتبية من القيم و لا تقترح إلا عددا محدودا من النصوص هو إقبار للحياة الأدبية.
و هناك تجربة الإنسان اللغوية و علاقته بالحياة الاجتماعية بكل ما فيها من متناقضات، لذلك يرى جان بلمان نويل إنه إذا كانت حياة الإنسان على هذه الدرجة من التعقيد فإن خطابه الأدبي يشتغل على نفس الدرجة و الصورة التي تشتغل بها ذات الإنسان في مواجهة هذا العالم، ذلك أن تداخل الذوات في النص يقف عائقا دون ضبط الذات اللاواعية، فالنص الأدبي يفرخ في ذاته ذوات معددة لا يمكن ضبط تناسخها و تداخلها بما في ذلك ذات القارئ أيضا، و قد خضعت هذه الفكرة، فكرة قدرة النص على التدليل لتحليلات تناولتها من زوايا شديدة الاختلاف فالمعروف أن الناقد الأمريكي (ميكائيل ريفاتير) قد تحدث عن مصطلح التدليل باعتباره دالا على قراءة تناصية للخطاب الأدبي حيث ينتج التفاعل قدرة مخصبة لإمكانية إعطاء الدلالات المتعددة.
يقول (ميشيل فوكو): (لا يمكن لنظام الرموز أن يكون مدركا كشيء مكون من طرف الإنسان، و لكنه على العكس من ذلك سيكون مدركا كمكون، و هكذا فالإنسان هو المتكلم به أثناء إعادة الشيء المتذكر و ليس هو الذي يتكلم.)
من أجل ذلك حاول (فرويد) منذ البداية تقدير القيم اللاشعورية من خلال الخطاب الأدبي متعرضا للتركيبة النفسية للمبدع رابطا بينها و بين العمل الأدبي، فقد أخد يهتم بالأديب بعدما كان جل اهتمامه ينصب على الفرد.
و قد اعتبر العمل الأدبي نوعا من الاستجابة أو بمثابة إشباع لرغبات لا شعورية، و اهتم أيضا بالدرجة الأولى بالظواهر المرضية مثل العصاب و انفصام الشخصية، و ركز هو و تلامذته على محاولة الكشف عن القوانين الظاهرة و الباطنة التي تشتغل بها الذات الإنسانية، و كذا طبقات الشخصية و حالاتها المختلفة، و ناظر في ذلك بين العمل الأدبي و بين أحلام اليقظة و أحلام المنام، و ربط التاريخ الشخصي للمبدع بعمله الإبداعي من جهة و بطفولته من جهة أخرى.
و تتالت مدارس، كلها حاولت أن تتوصل إلى سر النص و تكوينه و تشكيلاته، فتشعبت و اختلفت مشاربها
و في هذا البحث المتواضع سأحاول بدوري أن أضع أصبعي على أهم سمات النص الأدبي من وجهة نظر التحليل البيوغرافي و التحليل السيكولوجي منتقلة من هذه المقدمة التي ترضت فيها لمعنى النص و النص الأدبي إلى الفصل الأول الذي سأقوم فيه بتعريف بسيط لمنهجي التحليل البيوغرافي و التحليل البيوغرافي و أناقش بعض المبادئ التي يقومان عليها.
و في هذا المبحث الأول من هذا الفصل ألقي الضوء على عملية توظيف التحليل البيوغرافي في فهم النص الأدبي و الكيفية التي يتم بها ذلك، موضحة الدور الذي يقوم به التحليل البيوغرافي في هذا المجال و أهميته بالنسبة للنص الأدبي، و كيف يمكن التوصل إلى دراسة قوانين النفس الإنسانية من خلال أفراد أفذاذ.
أما في المبحث الثاني فإنني سأبين مدى استفادة كل من المنهجين من بعضهما و استعانتهما ببعضهما و سأتحدث عن وجوب تدخل ذات الكاتب المبدع و بروزها في العمل الأدبي.
و أنتقل بعذ ذلك إلى الفصل الثاني من هذا البحث و في أتطرق إلى علاقة التحليل النفسي بالإبداع، معرفة عملية الإبداع، مهمتمة بالمبدع محاولة إبراز شروذ عملية الإبداع و ظواهرها.
و في المبحث الأول من هذا الفصل سأتعرض لمفهوم العبقرية و سيكولوجية المبدع، مذكرة بأسسها و العلاقة الرابطة بينها و بين نفسية المبدع من خلال الأنا المبدع في نقطة أولى، و من خلال عالم الخيال و أحلام اليقظة في نقطة ثانية ثم أخيرا، من خلال الأسطورة الشخصية عند شارل مورون.
و في المبحث الثاني أخلص إلى الحديث عن سيكولوجية النص الأدبي عند جان بلمان نويل، محاولة التعرض بالتفسير لمسألة لا شعور النص كما أتى ذلك عنده، مؤكدة على أهمية الروابط القائمة بين المؤلف و العمل الأدبي.
و أخيرا أختم هذا البحث المتواضع بتشكيل رأي بسيط حول التحليل النفسي و التحليل البيوغرافي و دورهما في فهم النص الأدبي أملة أن أكون قد وفقت إلى لمس جميع جوانب هذا الموضوع و شققت مسلكا إلى فهمه و الإحاطة ببعض نواحيه.
و لن أنسى أن أتقدم بشكري إلى أستاذي الدكتور محمد خرماش الذي ساعدني كثيرا في إخراج هذا البحث إلى الوجود و إلى كل من مد لي يد العون من قريب أو بعيد ليصبح أمر إنجازه ممكنا.
تقديم:
تنظر (جوليا كريستيفا) إلى النص (كجهاز عبر لساني يعيد توزيع نظام اللسان عن طريق ربطه بالكلام التواصلي، راميا بذلك إلى الإخبار المباشر، مع مختلف أنماط الملفوظات السابقة و المعاصرة ).
من خلال هذا التعريف يمكن تحديد النص كإنتاجية، يعني أن علاقته باللسان الذي يقع فيه علاقة إعادة توزيع (هدم ـ بناء)، لذلك فمن الواجب معالجته من خلال مقولات منطقية و ألا نقتصر على المقولات اللسانية المحضة، و من ناحية أخرى فإن النص يعتبر تبادل نصوص أي تناصا، إذ نجد في فضاء النص عدة ملفوظات مأخوذة من عدة نصوص تتقاطع و تتحايد.
تبين جوليا كريستيفا في مقالة لها تتعلق ب ( النص وعلمه ) : أن للنص توجهين:
الأول : يكمن في ميل النص نحو النسق الدال الذي ينتج فيه ( تعني بذلك اللغة و اللسان ف عسر و مجتمع معين)
ــ الثاني : يتجلى في ميله نحو المسار الاجتماعي الذي يسهم فيه باعتباره خطابا.
و مرورا بالسميولوجيا التي تتعامل مع النص باعتباره من الخطاب تصل كريستيفا إلى اعتبار النص إيديولوجيما أن تلك الوظيفة التناصية التي يمكننا قراءتها و هي تتمظهر على مختلف مستويات بنية كل نص بصورة مادية و تمتد من خلال صيرورتها، تمنحه كل مطابقاتها التاريخية، و الاجتماعية، و هكذا فإن السميولوجيا تنظر إلى النص من حيث خصوصيته الإنتاجية، لا كمنتوج، و لكن كدليل منفتح و تعدد الدلالات، الشيء الذي سنجد معه أنفسنا أمام ما تسميه جوليا كريستيفا بالتدليل من خلال بحثها عن تعدد دلالات النص و بواسطة هذه المميزات يبرز ما يدعى بالتحليل الدلالي (Semanalyse) الذي يطلق من اللسانيات باعتبار النص ينتج من خلال اللغة.
و توضح كريستيفا أن هذه السميولوجيا (نظرية الدلالة النصية) أو (التحليل الدلالي) رغم انطلاقه من اللسانيات إل أنه يتجاوزها كعلم، لأن النص ليس مطهرا لسانيا، هذا العلم ـ التحليل الدلالي ـ يجعل النص موضوعا ديناميا، مستعملا معارف و علوم متعددة، تقدم له النماذج و المفاهيم الإجرائية كالسميوطيقا
و التحليل النفسي و العلوم الرياضية و المنطقية و اللسانية بالإضافة إلى أنه يستفيد أيضا من العلوم الاجتماعية و الفلسفية التي تجعله يحتل موقعا معرفيا ماديا ضمن باقي المعارف.
أما (بارت) فإنه يرمي إلى أن النص بمعناه الشائع هو ذلك (السطح الظاهري لنسيج الكلمات المستعملة و الموظفة فيه بشكل يفرض معنى ثابتا وواحد إلى حد بعيد، و هذا السطح قابل للإدراك بصريا من خلال عملية الكتابة التي تجعل منه موضعا مؤسسيا يتصل تاريخا بالقانون و الدين و الأدب. و يسجل بارت أهمية (التحليل الدلالي) و ما نتج عنه من مفاهيم نظرية ، كشفت عن خصوصية النص و تميزه، و تتمحور حول الممارسة الدالة و الإنتاجية و التدليل و النص الظاهر و المكون و التناص، مؤكدا على ريادة كريستيفا في هذا المجال.
و يتعرض بارت إلى وجوب التمييز بين النص و العمل، فالعمل الأدبي كما يبين بارت هو ما يوجد على رفوف المكتبات أو هو ما يمكن إمساكه باليد أما النص، فتمسكه اللغة، و لما كان العمل منتهيا فإن (الدليل) هو الذي يجعلنا أمام فكرة أن العمل منته، و بالإضافة إلى ذلك فإن بارت ميز بين مختلف التجليات اللسانية، مؤكدا أن كل تجل لغوي سواء أكان موازيا للجملة أو أقل منها ينتمي إلى اللسانيات، و أن ما هو أكثر من الجملة ينتمي إلى الخطاب كموضوع لعلم معياري هو البلاغة أو ما طرأ عليه مع الأسلوبية و البلاغة من تغيير، لكن محاولات تحليل الخطاب كموضوع لعلم معياري هو البلاغة أو ما طرأ عليه مع الأسلوبية و البلاغة من تغيير، لكن محاولات تحليل الخطاب كلها تختلف عن (التحليل النصي) لأنها إما متجاوزة (البلاغة) أو محدودة ( الأسلوبية) أومرتبطة بذهنية متالسانية تضع نفسها خارج الملفوظ و ليس داخل التلفظ.
أما (بول ريكور) فإنه يقدم لنا تصورا متكاملا لما يسميه (نظرية النص) من خلال كتابه (من النص إلى العمل) فهو يستنتج تعريفه للنص ضمن إشكال إبستمولوجي كما هو الآن عند (بيير زيما)، و هذا الإشكال يتعلق بالشرح و التأويل عند (ديلتي). فالشرح عنده يتصل بالعلوم الحقة، أما التأويل فإنه شكل مشتق من الفهم يرتبط بالعلوم الذهنية أو الفكرية، و انطلاقا من أن الشرح لم يبق متصلا فقط بالعلوم الطبيعية بل أصبح ممكن الانجاز مع اللسانيات كما أن التأويل مع الهيرمينوطيقا الحديثة أبتعد عن البعد الذاتوي الذي كان يطبعه الفهم، من كل ذلك يحاول ريكو إقامة (نظرية النص) معتمدا على الهيرمينوطيقا النقدية كما يسميها و من هذا المنطلق أيضا يعرف النص أنه كل خطاب مثبث بواسطة الكتابة. من هنا، يختلف النص عن الكلام، فالكتابة تعتبر مؤسسة لاحقة بالكلام استعملت لتثبت بواسطة الخطية ـ الكرافية كل التمفصلات التي تجلت شفويا سابقا، و بذلك ترتب بعملية القراءة، الشيء الذي يجعل النص مختلفا عن الكلام الذي تكون فيه العلاقة مباشرة بين المتكلم و المستمع فالكاتب لا يصبح موجودا إلا من خلال النص.
و لتحديد تعريف للنص اعتمادا على الأراء السابقة يمكن القول إن: ( النص بنية دلالية تنتجها ذات (فردية أو جماعية ضمن بنية نصية منتجة و في إطار بنيات ثقافية و اجتماعية محددة.)
و من خلال هذا التعريف نتوصل إلى أن الخطاب عبارة عن مظهر نحوي، يتم بواسطته إرسال القصة، و النص مظهر دلالي يتم من خلاله إنتاج المعنى من لدن المتلقي إنه تميز إجرائي تفرضه دواعي التحليل و حدوده، فالنص كبنية دلالية يتم إنتاجه من خلال الكتابة (الكاتب) و القراءة (الفارئ)، ضمن بنية نصية منتجة سلفا معنى ذلك أن الذات تنتج الدلالة النصية انطلاقة من خلفية نصية تم تشكيلها من خلال التفاعل مع نصوص سابقة و في مراحل متعددة.
نستنتج مما سبق أن النص يقوم على مكونات ثلاثة هي كالتالي:
(1 ـ البناء النصي: ضمن بنية دلالية تنتجها ذات.
2ـ التفاعل النصي: ضمن بنية نصية منتجة.
3 ـ البنيات السوسيونصية: في إطار بينات ثقافية محددة.
و على هذ الأساس يمكن تبني منظور لوسيان غولدمان الذي يحتم عدم إغفال جانب التحليل الداخلي للنتاج و اندراجه ضمن البنيات التاريخية و الاجتماعية و عدم إغفال دراسة السيرة الذاتية و نفسية الفنان كأدوات مساعدة، خاصة و أن العلاقات بين البنية و التكوين عنده، هي علاقة جدلية تشبه إلى حد كبير علاقة الجزء بالكل، فالنص الأدبي يمكن أن يوضح البنيات التاريخية و الاجتماعية كما أن هذه البنيات يمكن أن تضيء النص الأدبي.
إن النص الأدبي يقدم رؤية منظورية للعالم، أي رؤية المؤلف، و هو أيضا في حد ذاته مكون من منظورات متنوعة ترسم رؤية المؤلف و تسهل بلوغ ذلك الشيء الذي يبغي على القارئ تصوره، و لهذا فإنه من المسلم به، على العموم أن النصوص الأدبية تأخذ حقيقتها من كونها تقرأ، و هذا بذوره يعني أن النصوص يجب أن تحتوي مسبقا على بعض شروط التحيين التي ستسمح لمعناها أن يجتمع في الذهن المتجاوب للمتلقي.
و إذا كانت ماهية النص الأدبي نسيجا و لحمة وجدلية و اندماج، فإنه من الضروري مراعاة مشكلة القيمة ذلك أن كل نص يمكن أن ينجز أو يقرأ كنص ديني أو جغرافي أو طبي في وقت ما، كما يمكن أن يثمن كنص أدبي في وقت أخر، من هنا فإن المراسلات، و المذكرات و السير الذاتية، و الأبحاث و الدراسات النقدية و الخطابات و نصوص الرحلات... الخ تؤكد مدى اتساع (المجال الوسيط) المتجدر في الحياة العادية، و الذي يشكل جسرا بين الأدب "الخالص" في العمق و النصوص " الخصوصية الصحفية و العلمية" و هذا يعني أن قيمة النص ترتبط بعلاقة ثلاثة عناصر: القارئ و قدراته ، تراتبية قيمة المجموعة الاجتماعية التي ينتمي إليها، و أخيرا النص في سياقه، و من ثم، فإن تعريف الأدب بطريقة لا ترضى سوى مجموعة من القراء، و لا تفترض سوى تراتبية من القيم و لا تقترح إلا عددا محدودا من النصوص هو إقبار للحياة الأدبية.
و هناك تجربة الإنسان اللغوية و علاقته بالحياة الاجتماعية بكل ما فيها من متناقضات، لذلك يرى جان بلمان نويل إنه إذا كانت حياة الإنسان على هذه الدرجة من التعقيد فإن خطابه الأدبي يشتغل على نفس الدرجة و الصورة التي تشتغل بها ذات الإنسان في مواجهة هذا العالم، ذلك أن تداخل الذوات في النص يقف عائقا دون ضبط الذات اللاواعية، فالنص الأدبي يفرخ في ذاته ذوات معددة لا يمكن ضبط تناسخها و تداخلها بما في ذلك ذات القارئ أيضا، و قد خضعت هذه الفكرة، فكرة قدرة النص على التدليل لتحليلات تناولتها من زوايا شديدة الاختلاف فالمعروف أن الناقد الأمريكي (ميكائيل ريفاتير) قد تحدث عن مصطلح التدليل باعتباره دالا على قراءة تناصية للخطاب الأدبي حيث ينتج التفاعل قدرة مخصبة لإمكانية إعطاء الدلالات المتعددة.
يقول (ميشيل فوكو): (لا يمكن لنظام الرموز أن يكون مدركا كشيء مكون من طرف الإنسان، و لكنه على العكس من ذلك سيكون مدركا كمكون، و هكذا فالإنسان هو المتكلم به أثناء إعادة الشيء المتذكر و ليس هو الذي يتكلم.)
من أجل ذلك حاول (فرويد) منذ البداية تقدير القيم اللاشعورية من خلال الخطاب الأدبي متعرضا للتركيبة النفسية للمبدع رابطا بينها و بين العمل الأدبي، فقد أخد يهتم بالأديب بعدما كان جل اهتمامه ينصب على الفرد.
و قد اعتبر العمل الأدبي نوعا من الاستجابة أو بمثابة إشباع لرغبات لا شعورية، و اهتم أيضا بالدرجة الأولى بالظواهر المرضية مثل العصاب و انفصام الشخصية، و ركز هو و تلامذته على محاولة الكشف عن القوانين الظاهرة و الباطنة التي تشتغل بها الذات الإنسانية، و كذا طبقات الشخصية و حالاتها المختلفة، و ناظر في ذلك بين العمل الأدبي و بين أحلام اليقظة و أحلام المنام، و ربط التاريخ الشخصي للمبدع بعمله الإبداعي من جهة و بطفولته من جهة أخرى.
و تتالت مدارس، كلها حاولت أن تتوصل إلى سر النص و تكوينه و تشكيلاته، فتشعبت و اختلفت مشاربها
و في هذا البحث المتواضع سأحاول بدوري أن أضع أصبعي على أهم سمات النص الأدبي من وجهة نظر التحليل البيوغرافي و التحليل السيكولوجي منتقلة من هذه المقدمة التي ترضت فيها لمعنى النص و النص الأدبي إلى الفصل الأول الذي سأقوم فيه بتعريف بسيط لمنهجي التحليل البيوغرافي و التحليل البيوغرافي و أناقش بعض المبادئ التي يقومان عليها.
و في هذا المبحث الأول من هذا الفصل ألقي الضوء على عملية توظيف التحليل البيوغرافي في فهم النص الأدبي و الكيفية التي يتم بها ذلك، موضحة الدور الذي يقوم به التحليل البيوغرافي في هذا المجال و أهميته بالنسبة للنص الأدبي، و كيف يمكن التوصل إلى دراسة قوانين النفس الإنسانية من خلال أفراد أفذاذ.
أما في المبحث الثاني فإنني سأبين مدى استفادة كل من المنهجين من بعضهما و استعانتهما ببعضهما و سأتحدث عن وجوب تدخل ذات الكاتب المبدع و بروزها في العمل الأدبي.
و أنتقل بعذ ذلك إلى الفصل الثاني من هذا البحث و في أتطرق إلى علاقة التحليل النفسي بالإبداع، معرفة عملية الإبداع، مهمتمة بالمبدع محاولة إبراز شروذ عملية الإبداع و ظواهرها.
و في المبحث الأول من هذا الفصل سأتعرض لمفهوم العبقرية و سيكولوجية المبدع، مذكرة بأسسها و العلاقة الرابطة بينها و بين نفسية المبدع من خلال الأنا المبدع في نقطة أولى، و من خلال عالم الخيال و أحلام اليقظة في نقطة ثانية ثم أخيرا، من خلال الأسطورة الشخصية عند شارل مورون.
و في المبحث الثاني أخلص إلى الحديث عن سيكولوجية النص الأدبي عند جان بلمان نويل، محاولة التعرض بالتفسير لمسألة لا شعور النص كما أتى ذلك عنده، مؤكدة على أهمية الروابط القائمة بين المؤلف و العمل الأدبي.
و أخيرا أختم هذا البحث المتواضع بتشكيل رأي بسيط حول التحليل النفسي و التحليل البيوغرافي و دورهما في فهم النص الأدبي أملة أن أكون قد وفقت إلى لمس جميع جوانب هذا الموضوع و شققت مسلكا إلى فهمه و الإحاطة ببعض نواحيه.
و لن أنسى أن أتقدم بشكري إلى أستاذي الدكتور محمد خرماش الذي ساعدني كثيرا في إخراج هذا البحث إلى الوجود و إلى كل من مد لي يد العون من قريب أو بعيد ليصبح أمر إنجازه ممكنا.
- سعيد يقطين، انفتاح النص الروائي" النص ـ السياق" المركز الثقافي العربي، ط 1، 1989 ص 19 نقلا عن ....
- ن م س ص 20.
- سعيد يقطين إنفتاح النص الأدبي " النص ـ السياق" مس ص: 21.
- سعيد يقطين انفتاح النص الأدبي " النص ـ السياق" م,س ص 22.
- سعيد يطين انفتاح النص الروائي "النص ـ السياق" م. س ص 32
- باسكادي (البنيوية التكوينية و لوسيان غولدمان ترجمة محمد سبيلا