هناك أماكنٌ لا نلجُ أبوابها، بل تلجُ هي قلوبنا.
أماكنٌ إن رحلنا عنها جسدًا، بقيت أرواحنا عالقة بزواياها وذكرياتها، تفتح أبواب الحنين بيننا كلما مرت أطيافها.
ما نسيتُ أربعة جدران، أقصد أربعة شهود،
تلك التي تشكِّل غرفتي الصغيرة، والتي تضم عالمي الواسع،
زخرفتها بمشاعري، وجعلت منها ملاذي وأماني من العالم بأسره.
كانت راحتي حين أعود، وتنتشلني من التعب،
تضمني بجدرانها وتُقفلُ أبوابها، كما العصفورة الأم الحنون ترعى صغارها في عشّها.
هي غرفتي، اتسعت لأحلامي، وحلقت بطموحاتي،
وكانت تدور فيها أحاديث ممتعة أحيانًا، ومملة أحيانًا أخرى،
ويمضي الوقت وأنا أُفضي مافي خاطري للسقف مرة، وأحادث الجدران مرة،
وأعود إليها تلو الأخرى، وكأنها تشتاق لأحاديثي ونغماتي،
ولتريح نفسي من عناء الأيام.
لكنني رحلت عنها، وما رحلت هي عني.
الغريب أنني تغيّرت كثيرًا منذ أن غادرتها،
لكنَّ هذا الركن بقي كما هو في ذاكرة قلبي،
كأنه يذكرني أن بعض الأشياء تحبُّنا بطريقتها، وتنتظرنا دون أن تطلب شيئًا.
للأماكن أرواحٌ تسمع وتشعر،
كما أشعر بها تئن حين تحنّ…
لكن لا سبيل للعودة إلا بالتذكار والألم؛
ربما يكون الحنينُ هو أجمل طرق العودة،
وإن لم تطأ أقدامنا الأرض ذاتها.
للأماكن أرواح، وكل مكان أحببناه حقًا
يصير وطنًا صغيرًا نخبّئه في صدورنا،
نعود إليه كلما تهشّمت فينا الأيام.





































