لا تفلتي يدي أستحلفك بالله، أحبك يا أمي فلا تبتعدي عني، (صراخ وفقدان نهايته تكور جسده بالأرض دون نهاية للأحزان)، انتهى المشهد مع تصفيق حار من لجنة التحكيم التي اندهشت من صدق مشهد حسام حتى صدقوا أن أمه قد فاضت روحها إلى الله حقا وأن هذا ليس جزء من مشهد تمثيلي.
كانت دقات قلب حسام تكاد يسمعها جميع الحاضرين من فرط تأثره ونجاحه المبهر حتى انثنى للأمام قليلا تحية للجنة التحكيم والحاضرين، ثم دخل خلف الكواليس ومازال زملاؤه وجميع الحاضرين مستمرين في التصفيق، حمد الله كثيرا على توفيقه وسجد سجدة شكر طويلة ودموعه ما زالت حاضرة قيد هذا النجاح المبهر، ولكنه رغم فرحته لم ينس أن يتصل بأبيه وإخوته ليبشرهم بنجاحه، ولولا أنه اختبار مسابقة كبرى ويمنع فيه اصطحاب الأهل لكان قد اصطحبهم معه ليشاركوه لحظات عمره الجميلة، فهو لا يشعر بالانتماء سوى لعائلته الصغيرة التي يحبها من كل روحه وقلبه، طمأن أبيه الذي كان قلقا على حلم ابنه الذي شاركه فيه منذ صغره، والذي ذرف دموع الفرحة لنجاح فلذة كبدة وشعر بأنه بدأ أولى سنوات حلمه وصعود سلم المجد والشهرة اللذان يحلم بهما دائما، ونظر نظرة طويلة إلى صورة زوجته الحبيبة المعلقة على الحائط وأتى على محادثتها فقال لها:
أترين يا حبيبة الروح ابننا حسام! نجح وكُللت جهوده وتعبه بالنجاح وإن شاء الله سيكون نجما لامعا في سماء الفن، ليتك كنت معنا وفرحتِ به وبأبنائك جميعا، رحمك الله يا منية الروح والفؤاد.
أما عن إخوته فقد هللوا كثيرا ورقصوا فيما بينهم وأقاموا مراسم الفرح في بيتهم الصغير وانتظروا مجيء حسام من المسرح حتى تكمل فرحتهم ويتقاسموا السعادة فيما بينهم، وما إن دخل حسام في أول شارع بيته حتى قابله والده و إخوته بالفرحة وكذلك أهل الشارع فرحين مهللين وسط تلك الزفة الكبيرة التي أعدوها على أنغام المزمار، فكان الجميع يرقصون ويفرحون وكأنهم جميعا من أهل حسام، فهي عادة أصيلة في أهل الشارع يتشاركون مع بعضهم البعض المناسبات ويتمنون لبعضهم الخير دائما، سُرَّ حسام كثيرا بفرحة أسرته الصغيرة وفرحة أهل الحي الكبيرة وشعر بامتنان شديد وفرحة جعلت قلبه يثب منه كطفل صغير اشترى له والده لعبته المفضلة، دخل حسام غرفته ورمى بنفسه على سريره بفرحة غامرة وظل يرسم بخياله على سقف غرفته وقفتَه على المسرح أمام جمهوره الذي لم يكف عن التصفيق له وهو ينحني لهم يمينا ويسارا مبتسما ليحييهم على تصفيقهم الحار وإعجابهم بموهبته العظيمة، ظل هكذا في أمنيات روحه يبتسم حينا ويبكي فرحا حينا آخر حتى غلبه النعاس وتشارك كذلك في حلمه فوزه ونجاحه وفرحته الكبيرة، وفي صباح اليوم التالي استيقظ حسام نشطا وتوضأ وصلى ثم توجه إلى المطبخ ليعد الفطور ويتشاركه مع أبيه وإخوته، وبعد انتهائه وقبل ذهابه لعمله في المكتبة رن جرس هاتفه النقال وإذا بهم في المسرح يطلبون منه أن يأتيهم فورا لأمر هام، فرح جدا وقام بتقبيل يد والده الذي بادره بالكثير من الدعاء له وتمنى له التوفيق الدائم وتحقيق النجاح الذي يتمناه، اتصل حسام بصاحب المكتبة التي يعمل بها يستأذنه في التأخر لعدة ساعات فحصل على الموافقة، ودعا الله في سره أن يكتب له الخير في خطواته الأولى في طريق المجد والشهرة، دلف حسام من باب المسرح وكان هناك طاقم عمل المسرح على رأسهم المخرج ومساعديه، كان حسام يخطو خطواته مقتربا منهم وكأنه قد تعلم المشي حديثا، هلل الجميع حين قابلوه وأطلقوا عليه البطل الهمام، حتى جلس أمام المخرج الذي أشاد به ورحب به باهتمام أمام الجميع ثم دعاه أن يدخل معه مكتبه ليتحدثوا على انفراد، فأومأ حسام بالموافقة وسار خلفه وخافقه يكاد يخرج من صدره حتى هدأ قليلا فعرض عليه المخرج دون الدخول في مقدمات كثيرة أن يعمل معهم، تهلل وجه حسام ووافق حتى فاجأه المخرج بمفاجأة سارة لم يكن يتوقعها حتى فغر فاهه ولم ينطق بكلمة واحدة، إلى أن تدارك ما سمعه والذي جعله مشدوها وقال للمخرج ماذا تقول؟!