في كل بيت جنوبيٍّ قصة حزن تبدأ من طلقة... ولا تنتهي إلا بفقد، أو بدمع لا يجف.
صار صوت الرصاص مألوفًا أكثر من صوت العقل والحكمة، السلاح لم يعد وسيلة دفاع، بل أداة تهدد السلم، وتخنق الحياة في مهدها.
انتشر السلاح في صعيد مصر انتشار النار في الهشيم، وصار امتلاكه لا يعبّر عن قوة أو رجولة، بل عن ضعف داخلي يُجمّله الحديد، وعن وهمٍ بالهيبة يتوارى خلف الزناد.
باسم "الكرامة" تُفقد الأرواح، وباسم "الثأر" تُشعل بيوت آمنة، يَتَيتم الأطفال وتُرمل النساء.
نعم، تبذل وزارة الداخلية جهودًا واضحًة وجبارة في ملاحقة تجارة السلاح وضبط الخارجين عن القانون، ولا يخفى على أحد ما تقدمه الشرطة المصرية في ورجالها من تضحيات جسام ببذل الروح والدماء.
لكنّ الحقيقة التي لا مهرب منها: أن الأمن لا يتحقق بالسلاح وحده، بل بتكاتف المجتمع، ووعي الناس، وقوة الحكمة في وجه الجهل والاندفاع.
منذ فقد كبير العائلة مكانته، وغابت هيبته أمام اندفاع وتهور الشباب، الذي تحركه الغضبة لا الحكمة، وتدفعه العاطفة لا العاقبة.
كنا بالماضي القريب ننتظر كلمة "الجد" "الأب" "العم" "الخال" أو "الشيخ" لتنتهي الخلافات في مهدها قبل أن تُولد، واليوم أصبحت الرصاصة تسبق الكلمة، ويعلو دوي البنادق على صوت العقل.
ما أحوجنا في هذه الأيام العصيبة أن نستفيق، أن نعيد للكبير هيبته ونعيد للصلح مكانته، وللحوار قُدرته، وللرأي الحكيم مقامه.
ليس عيبًا أن نُطفئ نار الثأر، بل البطولة أن نقطع سلسلة الدماء، ونكتب نهاية تُعيد الحياة إلى مسارها الطبيعي، والوطن إلى أمنه وأمانه وسكينته.
إلى أهلي في الصعيد وأنا واحد منهم يشاركهم نفس المصير...
كلنا في مركب واحد وهو الوطن، وطننا مصر فلا تدعوا الرصاصة تحكم مصيرنا، ولا تتركوا السلاح يُصبح المتحدث الرسمي باسم الشيطان.
ارفعوا راية العقل، لا السلاح، واجعلوا من صدوركم درعًا للسلام لا ميدانًا للصراع والكراهية.
اللهم احفظ مصر من الفتن، ما ظهر منها وما بطن، وانشر فيها الأمان، وبارك لأهلها في الرخاء والسّلم.