في صباي عندما كنت في الاعدادي ناداني اخي الاكبر مصطفي واخبرني بأنه يوجد كلب صغير مولود مغلق العينين يقف بباب بيتنا فأخذناه في حجرة خاصة بعلف الحيوان ثم اتينا باللبن الرايب واطعمناه وسقيناه بالماء ....وداومنا علي ذلك عدة ايام حتي كبر ولما علا صوت نباحه الرقيق سمعته أمي فاستغربت وصاحت بالبيت ...من احضر هذا الكلب من وراء امه (ام الكلب)
.....وكالعادة تستقر الاتهامات عندي فلم اكن اجيد الدفاع عن نفسي فما بالك وانا أكذب !
....ثم استقرت الامور بعد موافقة ابي ....وكبر الكلب وصار شابا مليح الجسم وقد تعود ان يجلس باسطا ذراعيه علي مقربة مترين من جلوسنا حول الطبلية في طعام الافطار والغداء والعشاء ....وكان يأكل مما نأكل حتي ان ابي كان يعطيه نصيبه (منابه) من اللحوم بكل انواعها
......وشب الكلب كأنه احد افراد الاسرة يحترم اوامر كل واحد فينا اذا طلب منه عدم النباح علي أي قادم الي بيتنا .....ولم يكن مؤذيا علي الاطلاق (بتاع صوت وبس)
......لكنه كان لا يطيق اي كلب يمر امام بيتنا ويتلكأ ويقف فكان ينبح عليه بشدة كي يمر سريعا (كما لو أن بيتنا لأحد المسئولين الكبار)....حتي أن كلاب الحارة والحارات المجاورة كانت تأتي في مجموعة لعمل كمين له امام البيت لتأديبه ...لكنه (للحق) كان شجاعا غير اَبه بما يصيبه من عض وجرح وكدمات ورفس فالمهم عنده ان ينصرفوا من امام البيت
.....كانت تلك التصرفات تذهلني واتدخل كثيرا لفض المنازعات بينه وبين الأخرين خوفا عليه واطردهم .......
....والذي حدث انه تسبب في جدال واتهامات لنا من جارتنا الطيبة رحمها الله فقد كان لديها كلب ضخم اسود لم يكن يجرؤ علي المرور من امام بيتنا الا بصحبة اهل بيته لدرجة ان هذه الجارة اتهمت امي بانها تحرض كلبنا بذلك وكانت امي تضحك كثيرا من قولها ....حتي انها توعدت امي بدس السم لكلبنا ولم تكن تعرف ان الكلب لا يقبل اي طعام مهما كان الا من يدنا فقط !
......
ذات مرة انتهت امي من الخبيز ووضعت فوقه فطيرة مشلتت واذ بها تلمح حيوانات تدهس احد حقولنا القريبة من البيت المزروعة بالقطن فاسرعت لانقاذ الحقل
.....وعند عودتها تذكرت الخبز والمشلتت وتسارعت دقات قلبها فالقطط معروفة بغدرها واذ بها تفاجأ بان الكلب جالس بجوار كومة الخبز والقطط جالسة منكمشة خوفا منه !
....مدت امي بقطعة من الفطير المشلتت للكلب وهمست اليه (مش خسارة فيك)،
.....
عندما كنت في الثانوي واحضر كل اسبوع لاقامتي بالمنصورة وبمجرد سماع صوتي يقابلني ويهز ذيله مرحبا ويهمس باصوات الترحيب المبهمة ولما ذهبت للجامعة بالقاهرة كنت احضر لبيتنا بعد شهور كان يرفع ساقيه علي كتفي ليحضنني واتخلص منه شاكرا له الترحيب
......
مغرب يوم وقفة عيد الاضحي فوجئنا بضياع خروف العيد وبحثنا في كل شوارع القرية واشفق اهل القرية علينا وقلنا (عليه العوض )
.....وبينما كانت أمي تقف حيرانة امام البيت وحزينة اذ بالكلب يتمسح باقدامها وساقيها فابعدته بعصا في يدها لكنه استمر فقالت في نفسها ماذا يريد خاصة انه كان يتمسح بقدميها ويسبق خطوتين ثم يعود فسارت وراءه فاذا به يدخل بيتا مهجورا ليس بعيدا عن بيتنا لتجد الخروف فصرخت من المفاجأة وحضر الناس الي بيتنا يزفون الخروف والبيت
.......
ومرت الايام وكبر الكلب وداهمته الشيخوخة ومرض بداء الكلب وخفنا علي الاهل وقررنا التخلص منه بالسم او بالعصا ولما قرر اخي ذلك واقترب منه اذ به يتحسس قدمي اخي كانما يرجوه الا يقتله فتراجع اخي وجلسنا بصحن الدار وحضر احد اعمامي واذ بالكلب يتمدد امام ابي ويتقلص ويفارق الحياة فيبكي ابي وتنهنه امي ويبكي اخي وابكيه بغزارة فينظر الينا العم قائلا (عيلة مجانين صحيح )
ودفناه في حفرة بفناء امام بيتنا ....وكأن فردا من الاسرة افتقدناه
.....
والكلب ذلك المخلوق مشهور بالوفاء ويحب من يكرمه وهو موجود بالكرة الارضية مع الحيوانات الاخري قبل خلق الانسان بازمان
....وقد ظهر وفاؤه مع اصحاب الكهف فقام بحراسته لهم عند باب الكهف (وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد) ١٨ الكهف
...بل ان القرأن الكريم اعتبره واحدا وفردا من اهل الكهف
(سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم .....) ٢٢ الكهف
....وقد احل الاسلام الصيد باستعمال الجوارح ذوات المخالب والانياب مثل الكلاب والفهود والصقور بشرط تعليمهم فن الصيد والمهم ان نذكر اسم الله عند ارسالها للصيد (يسألونك ماذا احل لهم قل احل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله فكلوادة مما امسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه.....)٤ ال المائدة
.....
أما تشبيه الكافر المصر علي المعصية مهما وعظته او خوفته مثل الكلب الذي تعود ان يلهث سواء سليما او مريضا وسواء متعبا او مستريحا
...ومعروف ان الكلب يلهث لتنظيم درجة حرارته فهو لا يعرق مثل الانسان
(فمثله كمثل الكلب ان تحمل عليه يلهث او تتركه يلهث)١٧٦ الاعراف
....وسبحان الخالق الاعظم