قد يصل العبد إلى مقام أهل العرفان اصطفاء من الله تعالى بأن يتولى هو سبحانه بنفسه قلب عبده ، تصفية وتجلية حتى يخلصه له تعالى وحده ، فيكون من عباده المخلصين - بفتح الام - 

وقد يصل العبد إلى مقام أهل العرفان بالمجاهدة في لزوم مقام الأمر والنهي وهذا أكثر، أو هو الغالب على أهل السلوك. 

 

والمجاهدة التي يلزمها أهل العرفان لاتقف بهم عند حد مجاهدة النفس في كبح جماح الشهوات والرعونات ، أملا في الفوز بالجنة والنجاة من النار ، لأن هذا القدر وإن كان مقصودا ومطلوبا لأهل الإيمان جميعا بطبيعة الحال ، إلا أن أهل العرفان لهم هم أكبر من ذلك بكثير ، فالظفر بحب المحبوب الأعلى ورضوانه ولذة النظر إلى وجهه الكريم في الآخرة هو غاية الغايات بالنسبة لهم. 

 وإذا كان المتقون حين يذنبون يهرعون إلى الاستغفار من الذنب وجلا وخشية ، فهؤلاء كذلك حين يستشعرون مجرد الغفلة عن الله ولو للحظة حتى وكأنهم بحترقون من جراء ذلك لوعة وأسى . 

 

والعارفون مستسلمون لله على كل حال وكما هم زاهدون في الدنيا ، هم كذلك أزهد الناس في الناس أنفسهم ، فلا أحد يملك لنفسه ضرا ولانفعا ، والناس جميعا في قبضة الرحيم القهار لاتزول عنهم قبضته قدر أنملة ، ومن ثم فقد يئسوا من الخلق جميعا في مقام الضر والنفع والحركة والسكون ، والله في كل هذا يبتليهم في الخلق حتى يغربلهم ويصفيهم من حولهم فلا يبقى لهم سواه .

 فهم دائما في حال فقد لاوجد ، وأن امتلأت ديارهم ومجالسهم بالأتباع والمريدين ، فالخلق جميعا أشباح ، والله وحده هو الحق المطلق وماسواه عدم في عدم 

. 

ومن أقوالهم في هذا :

" إذا أخلى الله قلبك من علائق الخلائق فقد أذن لك في الوصل ، وإذا أذن لك في الوصل فقد جعل مراده مرادك ، وإذا جعل مراده مرادك فقد أرادك " 

الله الله الله 

ومن هنا وصف هؤلاء القوم بالصوفية أو المتصوفة ، اشتقاق من مادة " صفا" يصفو فهو صوفي . 

وهذه هي أبرز علاماتهم. فاذا ادعى مدع خلاف ذلك ، أو كان حاله ليست من هذا الدرب ، فليس من الصوفية ولا من أهل العرفان في شيء .

 

"وفوا فصفوا فقربهم إليه وحبهم فحبهم البرايا …"

رضي الله عن شيخنا وشيخ شيخنا ، العارف بالله محمد خليل الخطيب.