قالت لي : عمرو عينه منك على فكرة كلنا ملاحظين
قلت في براءة حقيقية : عمرو مين ؟؟!!! يعني إيه أصلا عينه مني ؟؟
قالت :- يعني شكله معجب !!
حوار عادي جداً يمكن أن يحدث بين أي صديقتين ..،
لكن الغريب في الأمر أن سننا وقتها لم يتجاوز السنوات العشر !!
نعم كنت في الصف الخامس الإبتدائي وكان فصلنا مشتركاً بين ال(صبيان ) والبنات
(المذكور) هوأكثر طلاب الفصل رقياً وحياء وأدباً ... لازلت أذكره بملامحه الدقيقة ونظارته الطبية وشبح إبتسامة خجلى لا يفارقه أبداً
لذا كان رد فعلي الأولي على محاولة صديقتي للفت نظري جدير بالمسرح القومي حينما تأخذ الجلالة "سميحة أيوب" وتتحدث بكبرياء عن الآداب العامة التي لم يعد أحداً يراعيها فضلاً عن معرفتها أصلاً
تبع ( الفاصل المسرحي ) تهديد مباشر وصريح بإبلاغ المعلمة عن (قلة الأدب ) التي تقولها صديقتي !!
غير أن - بيني وبين نفسي - وضعت الأمر قيد الدراسة والتحري !! :)
بالفعل هناك أشياء ألحظها للمرة الأولى
مثلاً لماذا غير مقعده مع زميل ليصبح إلى جواري مباشرة ؟؟
لماذا يستعير مني ألواني برغم علبة الألوان الفاخرة معه ؟؟ وكأن درجة اللون المطلوبة غير موجودة في أي علبة ألوان في العالم ووقعت بالصدفة في علبتي المسكينة!!
لماذا ينتهز أي فرصة ليتكلم معي يسألني عن بيتي وأهلي وهواياتي والأطعمة المفضلة
لماذا عندما توكله المعلمة بمراقبة الفصل لا يكتب إسمي برغم كل المخالفات التي أرتكبها عمداً ؟؟!!
من الغريب أني لم أشعر بأي ميل عاطفي تجاهه اللهم إلا بعض الشفقة على حالة (الدهولة ) العامة والإرتباك التي تصيبه كلما التقينا وجهاً لوجه
كنت أراه دائماً يراقبني من خلف زجاج نظارته الطبية وابتسامته الخجلى المميزة لا تفارقه ..
كانت هذه المصافحة الأولى المبكرة جداً للمشاعر الأنثوية التي عرفت فيها معنى غرور الأنثى وكيف أن باستطاعتها تعذيب من يهواها والتمتع بإحساس كونها حلماً عسير المنال على أحدهم و رمزاً ككل بطلات السينما :)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــ
انتقلنا للمرحلة الإعدادية .. وبدأت سمات مرحلة المراهقة تميزنا عن باقي المراحل ..
نظراً لخطورة هذه المرحلة فإن المدرسة تبدأ بفصل الطلاب والطالبات عن بعضهم البعض وكان هذا إجراء يوفر راحة أكبر لكلا الجنسين
حدث ذات يوم أن أرسلتني المشرفة إلى أحد فصول الـ (صبيان) طلباً لدفتر الغياب من المدرس القائم عليهم
ذهبت وإذا بالمدرس في قمة ثورته يشتم الطلاب بأقذع الشتائم..،،
كدت أفر بعدما طرقت الباب لولا أنه استوقفني:
- عايزه ايه تعالي
- م..م..مس نادديه عععاوزة دف..دفتر الغياب
- تعالي هنا اقفي عالفصل ده على ما ارجع .. بنت هيا اللي هتقف عليكم عشان انتم شوية ( شتائم نابية جداً )
وقفت وأنا غارقة في العرق والكسوف .. بينما صمت الـ (صبيان) نهائياً واكتفوا بالتحديق في ذلك الكائن الغريب عن عالمهم الخشن !!
أكثر من 40 زوج من العيون تحدق بي ولم يسلم الأمر من ( فصلك فين ؟ ) ( إسمك ايه؟)
رفعت عيني بحثاً عن لا شيء فلمع فيهما بريق نظارة طبية قادماً من الصفوف الخلفية
نظارة طبية تعلو إبتسامة مميزة ..
إبتسامة مميزة يعلوها زغب واضح لبوادر شارب فتى مراهق
كأنما وجدت طوق النجاة :
- عمرو ممكن لو سمحت تيجي مكاني عشان هتأخر على فصلي ؟؟
قام من مكانه وتقدم نحوي في حرج من تعليقات زملائه ..، تعليقات على شاكلة ( أيوة يعم ) ( بس عاملنا سهن وانت بلوة )
سلمته العصا ولاحظت بسهولة إرتجافة أصابعه ..
ثم وليت هاربة ولم أعقب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــ
اليوم الأخير من امتحاناتنا بالثانوية العامة كدنا نعلنه عيداً قومياً للمظاليم في العالم كله ..!!
أقسمنا أن نحيله إلى مهرجان ونطوف كل شوارع المنطقة نضحك ونلعب ليعلم الجميع أن هناك دفعة جديدة تخطت بسلام مرحلة كارثية
على الـ (أجلسير) رحنا ننقر ونغني ( الو الو احنا هنا ونجحنا اهو فالمدرسة ) باعتبار ما سيكون يعني :)
لم يستوقفني إلا إبتسامة مميزة في الشرفة الأولى من إحدى عقارات المنطقة ..
برغم أن صاحبها إزداد طولاً بشكل ملحوظ .. وبدت ملامحه الشبابية واضحة .. إلا أن شيئا ما بداخله ظل على حاله 6 سنوات متعاقبة !!
كان الإرتباك هذه المرة من نصيبي أنا :)
ما كنت أعرف بيته ..، وقد كان آخر شخص في التاريخ والجغرافيا يمكن أن أتوقع لقاؤه من جديد
كان يرمقنا بنفس البسمة ويبدو أننا قطعنا عليه مذاكرته في الشرفه لأن القلم في يده والطاولة أمامه تناثرت عليها الملازم
هو في القسم العلمي إذا وربما يستعد لإمتحان الفيزياء بعدنا
حياني بهزة رأس أنيقة فرددت بمثلها ..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــ
قبل عدة أشهر .. إبان عودتي من عملي كادت تدهمني سيارة في إحدى الشوارع الجانبية بمنطقتي الهادئة ..
رفعت رأسي وكلي يقين أن ما سأقوله وسأفعله سيحرم على السائق المرور من هذه المنطقة طيلة حياته
غير أن الكلمات توقفت على أعتاب شفاهي عندما لمع بريق النظارة الطبية مجددا بعد أكثر من 13 عاما
في البداية كان الفزع من تبعات ما كاد يكون حادثاً .. ثم سرعان ما تبدل الإنفعال إلى بسمة معتادة مميزة
بسمة أصبح يعلوها شارب (دوجلاس ) وملامح رجولية قوية هي جزء من سمات عامة لشاب يبدو أنه نجح في حياته إلى حد كبير
بسمة - لحسن الحظ - لم تلحظها زوجته التي جلست بجواره تهدهد رضيعاً على تابلوه السيارة :)
حياني -كالعادة- بهزة رأس أنيقة ثم انطلق
تنهيدة عميقة..
وشلال ذكريات طفولة وصبا ومدرسة وأصدقاء تدفق في عقلي ..
سبحان الله ..
سرعان ما تمضي بنا الأيام ونتغير وتتغير الأحوال
شتان بين الأمس واليوم .. وشتان بين يومنا وغدنا
نسأل الله ..حسن الختام :)