عاشت مصر بالمصريين وللمصريين
لقد اثبت الشعب المصري أنه قادر علي إدارة الأزمات وفق إرادته الخالصة وبعيدا عن مجلس إدارة الأزمات بالإملاء ، حقا عاشت مصر بالمصريين وللمصريين ، حتي أنا لم أكن أتوقع الربط الغريب الذي ربطه بعض القراء الأعزاء بين تفسير الحدث الحدودي الساذج وبين المقال المنشور سابقا تحت عنوان ( بعيدا عن خيار السلام ) ، فقد انهالت علي رأسي الرسائل فرادي وجيوشا من بينها رسائل حتي ممن نسميهم صغارا لا يفقهون شيئا في الحياة ، كل يوم نثبت أننا قادرون حتي ونحن قابعون في أعماق نظرية المؤامرة بفعل الحكام والجلادين
قد يري البعض الأن أنني من دعاة الحرب ،،،،، والحقيقة أنني لست من دعاة الحرب ولا حتي من دعاة السلام .. !!
ولكنني مؤمن بثقافة العدل ، العدل الذي إن لم يذعن له الكل طوعا فلا مناص من استخدام القوة في إرساء قواعده ،،، والقول الفصل ههنا أننا نكن كل العداء لليهود ، والحقيقة أننا كلما أمعنا النظر فيما يُنْسَجُ حول اليهود أو فيما ينسجه اليهود حول أنفسهم نزداد خضوعا لنظرية المؤامرة الكبرى ، وأقول كلمة وأجري علي الله .... إن مسألة وجود مؤامرة في حد ذاتها تجعل الكيان الصهيوني كيان خارق للعادة وتجعل من الشخصية اليهودية صاحبة هالة أسطورية لا وجود لها ، فعلي سبيل المثال وهذا ما أؤمن به ولا يتزعزع يقيني فيه أن بروتوكولات حكماء صهيون مثلا هي أكذوبة مزيفة لا أساس لها من الصحة ولدي براهين عقلية كثيرة تدل علي ذلك ، ولا يوجد أحد داخل المجتمع الصهيوني لديه دليل مادي يثبت به صدق حرف واحد من تلك الأكاذيب اللعينة أو حتي أن أحدا قد تلاها في مؤتمر بازل ــ 1897م ــ وهذا ما يدعوني للإيمان بأن نظرية المؤامرة وإن تجلت بوضوح في أوروبا بعد أن نالت البروتوكولات ثاني اكبر رواج غربي بعد الإنجيل إلا أنها وجدت تربة خصبة في المجتمعات العربية بعد دمجها في نظرية ماكيافللي وأصبحت صناعة عربية خالصة تهدف في المقام الأول إلي تبرير الضعف والخناء في مواجهة الكيان الصهيوني سياسيا والذي قاد بدوره إلي فشل متتالي في المواجهات العسكرية ، وفي المقابل فإن الكيان الصهيوني الإسرائيلي يا قارئي الكريم يعتمد في بنيانه أساسا علي ـــ التلمود ـــ كمصدر أصيل في هيكله ولا وجود لتعاليم حكماء صهيون في نهج هذا الكيان الواهي ، وإن كان الإعلام العربي ساهم ببراعة في الترويج المنظم لتلك النظرية فقد أجاد الكيان العبري استغلال كل الجرائم الإعلامية الفادحة وقد أحاط نفسه بسياج من الأكذوبة الأسطورية جعلت البعض يظن أن الشخصية الصهيونية كائن خارق للعادة له مخالب قادرة علي الوصول لأبعد مما يتصوره العقل
وبالمناسبة فقد كتبت أحدي الصحف المصرية المستقلة علي صدر صفحتها الأولي ثاني أيام حادثة سيناء هذا الخبر:ــ ( صدمة داخل الأوساط السياسية في تل أبيب من رد فعل الشارع المصري علي أحداث سيناء )
وعلي نفس الصفحة في مساء نفس اليوم خبرا أخرا مصحوبا بصورة يقول ( نائب السفير المصري في تل أبيب في حفل إفطار جماعي في بيت شمعون بيريز رئيس إسرائيل بعد تلبية دعوة حضرها كبار الشخصيات في إسرائيل إلي جانب البعثات الدبلوماسية العربية في تل أبيب ، وقد قام بيريز بتسليم نائب سفير مصر اعتذارا رسميا علي أحداث سيناء فيما لم يبدي نائب السفير أي تعليق وفَضَّلَ الصمت ) ، وهذا ما يعكس حال التخبط الصريح الذي عاشته دائرة اتخاذ القرار السياسي في القاهرة والذي تجلي بوضوح في إعلان مجلس الوزراء سحب السفير المصري من تل أبيب ونفي الخبر بعدها بأقل من ساعتين وكأننا في ( معجنة ) قد توقفت خلالها عقارب الزمن
خلاصة القول إننا أمام حدث من وجهة نظري نستطيع استغلاله سياسيا وقطع شوط من العناء السياسي في المنطقة لم نكن نأمل أن نحلم به قبل يناير رغم تكرر الحدث بصورة مستمرة خلال الخمس عشرة سنة الماضية وأهم هذه المكاسب هو نسف نظرية المؤامرة التي أكلت عقول الشعب لأكثر من مائة عام ، هذا إن كنا نريد التعايش مع واقعية ضعف ظاهرة الكيان العبري ، لأنني مؤمن وعلي يقين بأن إسرائيل رغم كل التصريحات النارية والاستفزازية التي تفوه بها كلاب تل أبيب وعلي رأسهم تسيبي ليفني زعيمة حزب كاديما فأنا مؤمن بأن إسرائيل ليس لديها أي قدرة علي الإطلاق لمواجهة مصر الأن حتي لو تم قطع العلاقات ولا ولن أتفق مع من يدعي بأن حادثة سيناء ( جس نبض ) للقاهرة لأنني مقتنع ومؤمن بأن الحادث برمته حتي لو كان متعمدا ما هو إلا خطأ عسكري يعتمد علي التركيبة النفسية للشخصية اليهودية والتي هي علي استعداء دائم ومستمر خاصة مع شعب أذل اليهود في تاريخه القديم والحديث
وأخيرا ... لقد أثبت شعب مصر ذكاءً فطريا في التعاطي مع الموقف ودق ناقوس خطر بإسقاط علم السفارة في رد فعل أخطر وكأنه يبعث رسالة لمن يريدون أن يكون فوق رؤوسهم ( ريشة ) مفادها أن الشعب أيضا قادر علي اتخاذ قرار الحرب
يا معشر الفرسان ...
استثمروا الحدث جيدا وسيكون الشعب خير عون لكم ، أما قبل هذا فلا داعي للشعارات التي لن تفيد في ساعة الحقيقه
والله يسدد الخطا
محمود صبري