اليوم أكملت عامك الخمسين يا والدي
نعم يا مصطفى اليوم ودعنا الشباب واستقبلنا المشيب فلا مفر من الوقت والسنين .
نحسبها ساعات قليلة لتكون عمرًا خلف ظهورنا مر ذلك العمر ومازالت في القلوب بعض الأمنيات لم تتحقق
ما أمنياتك يا أبي ؟
فأنا هنا لأحقق لك ما تتمنى .
ليس جميع الأمنيات نستطيع تحقيقها يا مصطفى فلابد من بقاءها غصة بالقلوب
لماذا يا أبي ؟
لك ما تتمنى
هل تريد السجود في الحرم ؟
السجود بالحرم اشتياق يتجدد داخلي كل عام بنفس الميعاد
ولكن ما أرغب فيه هو إزاحة ذلك الستار عن فؤادي لعلي أستطيع بث الراحة داخله
وما الذى يعيق الراحة عن طريق فؤادك
يا أبي ؟
كلمات يا مصطفى إنها فقط كلمات،
خُبأت في ذلك القلب لتكون مصدر حزنه إلى الآن وبعد تلك السنين
اعشت هذا العمر حزين يا أبي، كيف ؟
فلم اراك يومً باكيًا ولم تتغير معانا يوم، كنت نعم الأب والزوج لم تؤثر في حقوق احدنا بعملك كنت دائمًا مميز فأنا واخواتي كذلك امي جميعًا نفخر بك يا أبي
فماذا يحمل قلبك ليحزنه ؟
لم أكن يومًا بالشجاعة الكافية كي أواجه بعض المواقف بحياتي يا مصطفى لقد سلكت الطريق السهل الذي يرضي رغبات من حولي متغاضيًا عن ما اريد مقابل أن اصبح المثالي بعيونهم
ولكن الحقيقة هي ضعفي .
كيف يا ابي؟
لقد تذوقت الحب باكرًا، كنت بالعاشرة مجرد طفل ولكن بعيون ابي رجلاً يعتمد عليه أحببت ابنه عمتي (عزيزة) كنت أشعر بنبضات قلبي تتسارع فور رؤيتها كنت أجلس إلي جوار أمي وهى تمشط شعرها لتجعل منه ضفائر تنتهى كل ضفيرة بشريط أحمر كنت أسرق ذلك الشريط واحتفظ به في دولابي لأستطيع استنشاق عبيرها متى أردت
وماذا حدث يا ابي؟
لقد مرت بيننا السنين كنت أشعر أنها تعلم ما داخلي تجاهها صرت لا استطيع الاجتماع معها بمكان واحد حتى لا يلاحظ احدهم ارتباكي وضعفي أمام عيونها
اصر أبي على الانتقال الي القاهرة حتى أستطيع الالتحاق بالجامعة
للمرة الأولى أجمعت شجاعتي وذهبت إليها أخبرها ما في قلبي قبل وداعها
وماذا يا أبي؟
وقفت أمامها ضعيف يا مصطفى ابحث عن قوتي دون فائدة لذلك
عزيزة .اليوم سأسفر الي القاهرة لم أتى كي اودعك لأنى سأعود
ولماذا ستعود يا عبدالله ؟
لأخذك إلى القاهرة يا عزيزة لتسكني منزلي كما سكنتِ قلبي ولتُنيري حياتي
كنت أشعر يا عبدالله ولكن صمتك جعلني عاجزة كنت أخشى أن يكون ذلك الشعور ما هو إلا من وحى حبي لك
احقًا يا عزيزة تحبيني ؟
كثيرًا يا عبدالله
ماذا يا أبي! هل اعترفت لك بحبها ؟
كان ذلك أول اعتراف لها وآخر كلمات جمعتنا
انتهى الحديث بيننا سريعًا يا مصطفى فقد حان وقت القطار غادرنا إلى القاهرة وشعرت أن قلبي فاز بحبه وتركت خلفي قطعة منه على أمل العودة ذات يوم
هناك التحقت بالجامعة ومرت الأيام وأخذتني الدراسة وتركت أمر عزيزة بعد أن تأكدت من حبها لي حدثت روحي انها ستنتظر موجودة لن تذهب
حتى أحد الأيام بعد عودتي من الجامعة وجدت الجميع فرحون يحضرون للسفر .كانوا يحتفلون بقرار جدي بزواج عزيزه لأحد أبناء عمومتي
نزل ذلك الخبر كالصاعقة على قلبي وانغلقت أمامي كل الأبواب
احبها كذلك هي، ولكن لا يستطيع أحدنا الوقوف والاعتراف بذلك الحب .
تركتها يا مصطفى شعرت بالعجز في ذلك اليوم أيقنت مهما بلغت قوتي سأكون ضعيف .
فقدت الشغف بالحياة صرت اقوم بواجباتي لأهرب من صوت ضعفي فقط اؤدى تلك المهام دون الشعور بطعم الحياة .حتى أتممت دراستي والتحقت بالجيش
وهناك عشت الحياة العسكرية وقتلت داخلي أي شعور حتى حانت لي فرصة أخرى
لقد توفى زوج عزيزة، حزنت جميع العائلة لفقدانه لقد فارقنا صغيرًا على أثر حادث ولكنها مشيئة الله
اتأنى ذلك الخبر وأنا بالجيش لم أستطيع النزول لأحضر مراسم دفنه فقط اكتفيت بإعلامهم عدم استطاعتي المشاركة، لا أعلم لما منعت روحي من حضور مراسم الدفن
أهذا نوع من الانتقام، أو هو هروب ؟
حدثت نفسى إنها عزيزة مرة أخرى وكأن القدر يُحيك لي أمرًا ويخبرني أن ما كان مستحيل أصبح ممكنًا .انتظرت حتى مر عام ونصف عن تلك الحادثة . أجمعت شجاعتي وذهبت الى ابى أفرغت أمامه ما في قلبي
ولكنه قابل ذلك بالسخرية
كيف تريد أن تتزوج أرملة كذلك أقل منك في التعليم
اكانت تحبها وهى متزوجة ابن عمك؟
تشجعت أمامه وأجابت دون مبالاة
احبها منذ كنت طفل صغيرًا يا أبي ولكن القدر حال بيني وبينها اليوم هناك فرصة يا أبي لأفوز بما أردت
كان رده جافًا صارمًا لا تراجع فيه
لا، لن أسمح لك بذلك لن أسمح أن يتزوج ابنى المتعلم أرملة جاهلة
خسرت يا مصطفى لم أستطيع الوقوف أمام الطوفان الذي صنعه أبى جعل الجميع يقفون ضدي كذلك دبروا الأمر ليزوجوا عزيزة لأخ زوجها المتوفى .
ضَعفت أمامهم يا مصطفى تركتها للمرة الثانية، ولكن تلك المرة أتاتني عزيزة تستنجد بي، ترجوني أن انجدها من قرارهم أن أتحدث بما في قلبي أن أخذها بعيد عن احكامهم عليها ولكن كان ردي لها قاسيًا كحال قراري .تزوجي يا عزيزة لقد مرت بيننا سنين كثيرة غيرت ما في القلوب وأصبح ذلك القلب فارغًا تجاهك فلم يعد لكِ مكانًا بقلبي، فاليوم خطبتي على من تليق بي
لم اجرح عزيزة فقط بل دفنت قلبي، وأخذت روحي معاها
اختفت عزيزة، تزوجت مرة أخرى .
خضعت أنا لأحكامهم تنازلت عن حبي لأعيش هذا العمر أحمل في قلبي الحزن ولا أستطيع تذوق طعم الحياة
انها كلمة واحدة فقط يا مصطفى ولكنها احزنت قلبي أعوام
نعم احبك يا عزيزة تلك الكلمة هي شقائي يا مصطفى
خضعت لأحكام من يرقدون تحت التراب الآن لأعيش عمرًا مهزومًا لقلبي
هل مازالت بقلبك يا أبي؟
الى ان تفارقني الروح يا مصطفى .
أهكذا احببت يا أبي ؟
ليس فقط حب أنها كل تفاصيل الفرح بالنسبة لي يا مصطفى
أحب بسمتها، ضحكاتها احب براءتها حتى وإن نعتوها بالجاهلة احب جاهلها
انها ربيع عمري يا مصطفى .
اليوم فقط شعر قلبي بالراحة اليوم فقط واجهت ضعفي
ان لم يكن أمام عزيزة، ولكنه أمام روحي
كنت أخشى سابقًا مواجهة روحي بتلك الكلمات ولكن الآن أعلنها أحببت عزيزة وما زلت أتنفس رائحتها